في ذكرى رحيل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب .. عبقرية تلهم الأجيال وتخلّد الموسيقى العربية

تمر اليوم ذكرى وفاة أحد أعظم من أنجبتهم الموسيقى العربية، الفنان والموسيقار محمد عبدالوهاب، الذي يُعد أيقونة موسيقية تجاوز تأثيره حدود الزمان والمكان. اسمه لا يزال حيًا في وجدان العرب، وصوته وألحانه يشكلان جزءًا أصيلًا من الذاكرة الجماعية الفنية.

طفولة مبكرة وصراع مع الواقع

وُلد عبدالوهاب في حي باب الشعرية الشعبي بالقاهرة عام 1902، ونشأ في بيئة تقليدية لم تتقبل ميله للفن بسهولة. منذ صغره، كان يهرب لحضور حفلات كبار المطربين كعبد الحي حلمي والشيخ سلامة حجازي. هذا الشغف المبكر دفعه لمحاولة الغناء على مسارح الأحياء الفقيرة، قبل أن يتبناه أمير الشعراء أحمد شوقي، الذي غيّر مجرى حياته بمنحه الرعاية والتعليم والرؤية الفنية.

في ذكرى رحيل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب .. عبقرية تلهم الأجيال وتخلّد الموسيقى العربية(1)
في ذكرى رحيل موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب .. عبقرية تلهم الأجيال وتخلّد الموسيقى العربية(1)

أحمد شوقي: mentor and catalyst

لم يكن تبني شوقي لعبدالوهاب مجرد علاقة بين شاعر ومطرب، بل أسس لبناء مدرسة فنية متكاملة. ساعده شوقي على اكتساب ثقافة موسيقية وأدبية واسعة، وفتح له الأبواب نحو التلحين الراقي والغناء المتزن. كما ألّف له العديد من القصائد التي تحولت إلى أغانٍ خالدة.

ثورة موسيقية سبقت زمنها

اعتُبر عبدالوهاب أحد رواد التجديد الموسيقي في العالم العربي، إذ أدخل آلات غربية مثل الكمان والتشيلو والبيانو إلى التوزيع الموسيقي الشرقي، ودمج الإيقاع الغربي مع الطابع العربي. غنّى له عمالقة الطرب مثل أم كلثوم، ومن أبرز ثمار تعاونهما أغنية “أنت عمري” التي أصبحت نقطة تحول في تاريخ الطرب العربي.

أعمال وطنية حفرت نفسها في الوجدان

  • وطني الأكبر: نشيد وحدوي تغنّى به أكثر من فنان عربي
  • الجيل الصاعد: دعوة للأمل والتجديد في زمن كانت الأمة تمر فيه بتحولات
  • أغانيه الوطنية: تميزت بقوة اللحن وصدق الكلمة، ما جعلها حاضرة في كل المناسبات القومية

تراث خالد لا يموت

توفي محمد عبدالوهاب عام 1991 عن عمر ناهز 89 عامًا، وشيّع بجنازة عسكرية مهيبة تقديرًا لإسهاماته. ورغم مرور عقود على رحيله، ما زالت أغانيه تذاع باستمرار وتُدرس في معاهد الموسيقى، ومنها:

  • ست الحبايب
  • هان الود
  • يا مسافر وحدك

لماذا ما زال اسمه ملهمًا؟

لأن محمد عبدالوهاب لم يكن فقط مطربًا أو ملحنًا، بل رائدًا ثقافيًا ومجددًا فكريًا وموسيقيًا. استطاع أن يعبر من عصر الطرب الكلاسيكي إلى عصر الحداثة دون أن يفقد روح الأصالة، وهو ما لم يحققه كثيرون في مجاله. بقاؤه في قلوب الناس حتى اليوم دليل على أن الفن الحقيقي لا يشيخ.