الاستهداف الإسرائيلي في اليمن .. قراءة عسكرية في طبيعة الأهداف والتداعيات
في تحليل جديد للمشهد العسكري في اليمن، كشف الخبير الاستراتيجي اللواء فايز الدويري عن تحول ملحوظ في طبيعة الأهداف التي تستهدفها إسرائيل، مؤكدًا أن تركيز الضربات الجوية الإسرائيلية بات موجهًا نحو البنية التحتية المدنية، في وقت تركزت فيه الضربات الأمريكية سابقًا على القدرات العسكرية لجماعة أنصار الله (الحوثيين).
التمييز بين الضربات الإسرائيلية والأمريكية
أوضح الدويري، في تحليل متلفز، أن إسرائيل لم توجه ضرباتها نحو مواقع عسكرية حساسة مثل منصات إطلاق الصواريخ أو معسكرات أو مستودعات سلاح، بل استهدفت منشآت مدنية حيوية، مثل ميناء الحديدة، ومطار صنعاء، ومصانع الإسمنت في الحديدة وعمران، بالإضافة إلى محطات الوقود والكهرباء.
وأكد أن هذا النهج يعكس نمطًا استراتيجيًا مختلفًا، يقوم على الإضرار بالمجتمع المدني وتجويع السكان والضغط الاقتصادي، وهو ما قد يُفهم على أنه محاولة لزعزعة الحاضنة الشعبية للحوثيين، بدلًا من استهداف قدراتهم الهجومية بشكل مباشر.
ضعف الاستخبارات الإسرائيلية أحد الأسباب
الدويري ربط هذه الاستراتيجية بما وصفه بـ “ضعف الاستخبارات الإسرائيلية” في رصد مواقع الحوثيين الحيوية، معتبرًا أن تل أبيب قد تكون غير قادرة على تحديد أهداف عسكرية ذات قيمة، ما يدفعها لضرب ما هو ظاهر ومتاح، ولو كان ذا طابع مدني.
وأضاف: “بنك الأهداف لدى إسرائيل غير دقيق، ما يجعل الضربات تفتقر إلى التأثير الاستراتيجي الحقيقي، وهذا ما يتضح من فشلها في وقف الهجمات الحوثية على الداخل الإسرائيلي”.
1200 طلعة جوية بلا جدوى ملموسة
أشار اللواء إلى أن التحالف الأميركي-البريطاني نفذ نحو 1200 طلعة جوية منذ بداية التصعيد، ومع ذلك، لم يُسجل تراجع حقيقي في وتيرة الهجمات الحوثية، لا بالصواريخ الباليستية ولا بالطائرات المسيّرة.
وفي دلالة رمزية واضحة، أكد الدويري أن جماعة أنصار الله أطلقت صاروخًا باتجاه مطار بن غوريون، بالإضافة إلى طائرة مسيرة استهدفت مدينة يافا، بعد خطاب مباشر من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، ما يشير إلى أن الحوثيين ما زالوا يمتلكون زمام المبادرة الهجومية.
تحذير من توسع دائرة التصعيد
في إطار التحليل المستقبلي لمسار التصعيد، حذر اللواء الدويري من أن استهداف البنية التحتية المدنية قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من “المعاملة بالمثل”، متسائلًا: “إذا دُمّر مطار صنعاء، فهل سيرد الحوثيون باستهداف مطارات إسرائيلية؟”.
وأوضح أن استمرار هذه المعادلة غير المتكافئة قد يؤدي إلى تفاقم الصراع، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل على المستوى السياسي والدبلوماسي أيضًا، خصوصًا إذا نجح الحوثيون في تنفيذ ضربة رمزية مؤثرة داخل العمق الإسرائيلي.
الاستنتاج العام: نتائج محدودة وخطر تصاعدي
خلص التحليل إلى أن الضربات الإسرائيلية، رغم كثافتها، لم تحقق أهدافها المعلنة حتى الآن، فيما لا يزال الحوثيون يحتفظون بقدرتهم على التأثير والرد، ما يشير إلى فشل تكتيكي واستراتيجي في آن واحد.
كما لفت الدويري إلى أن استمرار هذا النهج، دون تطوير آليات استخباراتية أكثر فاعلية، سيُبقي إسرائيل في موقع رد الفعل، ويُطيل أمد المواجهة دون مكاسب حقيقية.
يرى الخبراء أن أي استراتيجية عسكرية ناجحة يجب أن تكون مبنية على معلومات دقيقة، وأهداف ذات تأثير مباشر على القدرات العسكرية للخصم، وليس على الإضرار بالبنية التحتية، ما يفاقم المعاناة الإنسانية دون أن يغير موازين القوى.
لذلك، من المهم إعادة تقييم هذه المقاربة العسكرية، والنظر في مسارات بديلة تنسجم مع القانون الدولي الإنساني وتُحدث تأثيرًا فعليًا على الأرض.