نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: الإمعان في فيما قاله الأمير الحسن بن طلال - الخليج الان اليوم الخميس الموافق 30 يناير 2025 11:56 مساءً
أ.مصطفى صوالحه
في ظلّ التعقيدات التي تعصف بالشرق الأوسط، وما يستتبِع ذلك من تحدّيات بنيوية تطال مختلف القطاعات، تبرز جامعة الشرق الأوسط بوصفها نموذجًا لمؤسسة أكاديمية تسعى إلى إحداث تحوّل نوعي في البنية الفكرية والتنموية للمنطقة، وذلك عبر مبادرات استراتيجية تستند إلى منهجيات معرفية عميقة تعي طبيعة اللحظة التاريخية التي تمرّ بها المنطقة، وتستلهم من معطياتها ما يلزم لإعادة تشكيل معادلات التأثير.
وفي هذا السياق، جاء إطلاق مركز حوارات الشرق الأوسط برعاية سمو الأمير الحسن بن طلال ليشكّل علامة فارقة في مسيرة الجامعة، إذ يتجاوز كونه مبادرة أكاديمية تقليدية ليصبح بمثابة منصّة فكرية متعددة الأبعاد، تهدف إلى إعادة هندسة الخطاب التنموي العربي، بالاستناد إلى مرتكزات عقلانية تأخذ في الحسبان ضرورات التحديث والتكامل الإقليمي والدولي.
ولا يمكن فصل هذه المبادرة عن الدور الذي تضطلع به العائلة الهاشمية في تعزيز المشهد الفكري الأردني ودفعه، حيث تمثّل رعاية سمو الأمير الحسن بن طلال لإطلاق المركز إعلانًا يؤسس لمسار استراتيجي يُعيد توجيه البوصلة الفكرية نحو مقاربات أكثر عمقًا واتساقًا مع متطلبات المرحلة، ذلك أن المسألة تتعلق بإرساء منظومة تحليلية تتعامل مع التحدّيات العربية الراهنة عبر تفكيكها وإعادة تركيبها وفق مقاربات معرفية دقيقة، تتجاوز السرديات المستهلكة التي أفضت إلى حالة من الدوران في الفراغ.
وفي ضوء ذلك، يبرز المركز بوصفه استجابة مؤسسية واعية لحاجة المنطقة إلى إعادة تعريف دور الأكاديميا في سياق التحولات الكبرى التي يشهدها العالم، إذ لم يعُد مقبولًا أن تبقى الجامعات مجرّد خزانات معرفية منفصلة عن واقعها، بل بات لزامًا عليها أن تؤدي دورًا بنيويًا في تشكيل الوعي الاستراتيجي، من خلال تفعيل أدوات البحث النقدي، وتحليل أنماط التشابك بين البنى الاقتصادية والسياسية والثقافية، ومن هنا، يسعى المركز في جامعة الشرق الأوسط إلى أن يكون مختبرًا فكريًا يرفد صُنّاع القرار بمقاربات علمية تستند إلى قراءة موضوعية للتحولات الجارية، بدلًا من الارتهان إلى ردود الفعل الآنية التي غالبًا ما تفتقر إلى منظور بعيد المدى.
ولا تنحصر أهمية المركز في بُعده الأكاديمي، إذ يتجاوز ذلك إلى كونه جسرًا للتفاعل الإقليمي والدولي، حيث يعمل على بناء شبكات معرفية تدمج بين الباحثين، وصنّاع القرار، والفاعلين في الحقل التنموي، ضمن مقاربة تزاوج بين النظرية والتطبيق، فاللحظة الراهنة تتطلب منا امتلاك الأدوات اللازمة للتأثير في المستقبل ومساراته، عبر تطوير نماذج تفكير جديدة تتعاطى بمرونة مع المشهد العالمي المتحوّل، وتستوعب تعقيداته دون الوقوع في فخّ التبسيط أو الانجرار وراء الحلول الجاهزة.
ويمثّل إطلاق مركز حوارات الشرق الأوسط خطوة استباقية في إعادة تعريف دور الجامعات، فهو يعكس إدراكًا عميقًا لحقيقة أن المعرفة باتت تتشكل في فضاءات متعددة، ما يستوجب مقاربات أكثر تكاملًا تضمن تفاعل الأكاديميا مع الحقول التطبيقية، وتدفع باتجاه بناء نموذج تنموي متوازن، يُراعي ضرورات التجديد دون التفريط بالخصوصيات الثقافية.
وعليه، فإن مستقبل المنطقة مرهونٌ بقدرتها على توظيف المعرفة لا بوصفها ترفًا فكريًا، وإنما باعتبارها أداة لإنتاج حلول مستدامة تُعيد صياغة أولويات التنمية، بعيدًا عن منطق الأزمات الذي استنزف مواردها لعقود.
وفي هذا السياق، يُشكّل المركز دعامة أساسية في بلورة رؤية تقطع مع الجمود، وتنفتح على آفاق التغيير، عبر مقاربات تستند إلى فهم عميق لجدليات الواقع، دون السقوط في فخّ الخطابات الشعبوية أو المقولات الجاهزة التي عفا عليها الزمن.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.