حدثت أخيراً أسوأ مأساة طيران في الولايات المتحدة منذ أكثر من عقدين بعد سنوات من الإنذارات بشأن نظام السلامة الجوية في البلاد.
وأدت جائحة «كورونا» إلى تفاقم النقص في مراقبي الحركة الجوية على مستوى المطارات الأميركية مع ارتفاع الطلب على السفر الجوي بمجرد عودة الحركة الجوية.
وجعلت المواجهات الحكومية ذات الدوافع السياسية من الصعب تدريب العمال الجدد واستبدال معدات السلامة القديمة. وقضت إدارة الطيران الفيدرالية فترات طويلة دون قائد دائم، بينما أعرب المحققون عن تحذيرات بشأن ارتفاع احتمال حالات الاصطدام في المطارات.
ومن المرجح أن يستغرق الأمر عاماً أو أكثر حتى تعلن السلطات عن استنتاج رسمي حول سبب تحطم طائرة ليل الأربعاء الماضي بالقرب من مطار رونالد ريغان الوطني في واشنطن، حيث اصطدمت مروحية «بلاك هوك» تابعة للجيش، كانت تجري تدريباً روتينياً، بطائرة ركاب قادمة من ويتشيتا بولاية كانساس، ما أسفر عن مقتل 67 شخصاً، حيث لم ينجُ أحد من الحادث، لكن أحد الموظفين القدامى في هيئة الطيران الأميركية قال إن التحقيق سيشمل على الأرجح فحص العوامل التي ظهرت مراراً في حوادث التصادم السابقة، بما في ذلك التعب وتشتيت الانتباه وسوء الفهم المحتمل.
خطأ الكونغرس
لقد شهدت الولايات المتحدة ارتفاعاً حاداً في حوادث كان التصادم فيها وشيكاً والتي تنطوي على طائرات تجارية في المطارات مع خمسة حوادث في عام 2022 و11 حادثة في عام 2023، حيث كادت طائرة ركاب تصطدم بطائرة أخرى أو مركبة أرضية، وفقاً لقاعدة بيانات إدارة الطيران الفيدرالية التي تتتبع هذه الحوادث.
وعلى الرغم من أن عام 2024 شهد حادثة تصادم واحدة فقط في المطار صنفها منظمو الطيران بأنها خطيرة، فإن إدارة الطيران الفيدرالية كانت لاتزال تحقق في بعض الحوادث قبل نهاية العام.
كما تعرضت طائرتا ركاب لخطر التصادم الوشيك في مطار ريغان الوطني العام الماضي على الرغم من أن إدارة الطيران صنفت الحدث على أنه أقل خطورة.
وقال النائب السابق بيتر دي فازيو، وهو ديمقراطي من ولاية أوريغون ترأس لجنة النقل في مجلس النواب لمدة أربع سنوات: «نحن نعلم أن لدينا نقصاً حاداً في مراقبي الحركة الجوية، وكثير منهم مجبرون على العمل الإضافي، وغالباً ما يعملون وهم متعبون، وهذا في الغالب خطأ الكونغرس».
وأضاف دي فازيو: «لا أعرف أن مراقبة الحركة الجوية كانت مشكلة في هذه الحالة»، لكنه أشار إلى أن مجلس سلامة النقل الوطني، الوكالة الفيدرالية المستقلة التي تقود التحقيق في حادث الأربعاء، «كان يحذر من هذا باستمرار».
زيادة التمويل
وكانت رئيسة المجلس الوطني لسلامة النقل، جينيفر هوميندي من بين أولئك الذين أطلقوا أعلى التحذيرات، حيث أخبرت الصحافيين في أواخر عام 2023 بأن نظام الحركة الجوية يحتاج إلى «الإغاثة» التي يمكن أن تأتي في شكل زيادة التمويل لمراقبي الحركة الجوية أو تحسين التكنولوجيا.
وقالت هوميندي في ذلك الوقت: «نحن ندق أجراس الإنذار، ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراء»، مضيفة: «لا أريد أن أسمع عن الاجتماعات.. افعلوا شيئاً».
وأول من أمس الخميس كانت هوميندي في موقع الحادث في مطار ريغان الوطني، وقالت إن «الحكومة بأكملها» تبذل جهوداً للعثور على الأدلة التي ستوضح ما حدث، متابعة: «نحن هنا لنؤكد للشعب الأميركي أننا سنجري تحقيقاً متكاملاً».
ووُصف نظام مراقبة الحركة الجوية بأنه «معطل»، بينما ألقت لجنة مستقلة من خبراء الطيران باللوم على «الجمود المزمن» في الكونغرس، ما يجعل من الصعب على إدارة الطيران الفيدرالية القيام بوظيفتها.
كما واجهت إدارة الطيران الفيدرالية أسئلة متكررة منذ عام 2018 حول ما إذا كانت تطبق تدقيقاً صارماً بما فيه الكفاية على مصنعي الطائرات مثل «بوينغ» في أعقاب حادثين مميتين في آسيا وإفريقيا خلال فترة ولاية ترامب الأولى وانفجار باب طائرة فوق ولاية أوريغون العام الماضي. ولم تشارك أي طائرة من صنع «بوينغ» في تصادم الأربعاء.
نقص الموظفين
حولت إدارة الطيران الفيدرالية انتباهها إلى نقص القوى العاملة لديها في الأشهر الأخيرة. وتضم الوكالة نحو 45 ألف موظف، وتعاني نقصاً في الموظفين بنحو 3000 مراقب في جميع أنحاء البلاد، مع الجهود الجارية لزيادة عدد مراقبي الحركة الجوية من خلال الشراكات الجامعية والتدريب المكثف في أكاديميتها في أوكلاهوما.
وظهرت الأسئلة حول تصرفات مراقبي الحركة الجوية وطاقم المروحيات بسرعة بعد حادث الأربعاء، والذي قال المسؤولون إنه وقع في ظل ظروف جوية صافية. وفي بث اتصالات لاسلكية لمراقبي الحركة الجوية قبل الحادث مباشرة كان من الممكن سماع مراقبين يسألون طاقم المروحيات عما إذا كانوا قد رأوا الطائرة القادمة.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن عدد الموظفين في برج مراقبة مطار ريغان الوطني «لم يكن طبيعياً في ذلك الوقت من اليوم» بالنظر إلى حجم حركة المرور في وقت وقوع الحادث، نقلاً عما وصفته بتقرير داخلي أولي لإدارة الطيران الفيدرالية حول الحادث.
لكن مسؤولاً مطلعاً على عمليات البرج أخبر «بوليتيكو» بأن عدد مراقبي الحركة الجوية في البرج كان كافياً على الرغم من أن المشرف قرر أن يكون هناك مراقب واحد يراقب كلاً من رحلات الخطوط الجوية وحركة المروحيات.
وقال المسؤول الذي لم يكن مخولاً بالتحدث علناً عن الحادث أثناء التحقيق، إن هذه المهام يقوم بها مراقبان بعد الساعة 9:30 مساء. ووقع تصادم الأربعاء نحو الساعة التاسعة مساءً.
وذكرت إدارة الطيران الفيدرالية في بيان أن الطائرة المدنية من صنع «بومباردييه» التي تديرها شركة الخطوط الجوية «بي سي إيه» والمروحية «سيكورسكي إتش 60» تحطمتا أثناء اقتراب الطائرة من المدرج. وكانت شركة الطيران الإقليمية تعمل نيابة عن الخطوط الجوية الأميركية.
مهمة روتينية
كانت المروحية في مهمة تدريبية، وأكدت السيناتور الديمقراطية تامي داكوورث وهي طيار مروحيات سابق في الجيش، أنها روتينية. وقالت: «هذا يعني فقط أنهم كانوا هناك في مهمة، ويقومون بوظائفهم كما يفعلون كل يوم».
وبعد تلقي مكالمة من إدارة الطيران الفيدرالية والمجلس الوطني لسلامة النقل، قالت داكوورث إن طاقم المروحية «كان يعتمد على العين المجردة لضمان عدم التعارض مع الطائرات الأخرى».
وأضافت: «من الواضح أن هناك اعتماداً على مراقبة الحركة الجوية»، مؤكدة أن مراقبة الحركة الجوية أخبرت الطاقم بتحديد مسار الطائرة الأميركية التي كانت تقترب من المطار.
كان هذا أول حادث تحطم طائرة ركاب مميت في الولايات المتحدة منذ اصطدمت طائرة كورية جنوبية بجدار في مطار سان فرانسيسكو الدولي في عام 2013، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وأول حادث تحطم مميت يتعلق بشركة طيران محلية منذ حادث تحطم طائرة عام 2009 خارج بافالو في ولاية نيويورك، والذي أسفر عن مقتل 50 شخصاً وأدى إلى إصلاحات السلامة التي أقرها الكونغرس.
كما كان هذا أخطر حادث تحطم طائرة في الولايات المتحدة منذ حادث تحطم طائرة في نوفمبر 2001 في بيل هاربور بولاية نيويورك، والذي أسفر عن مقتل 260 شخصاً بعد شهرين فقط من أحداث 11 سبتمبر.
لقد كان الهدوء النسبي في المجال الجوي الأميركي خلال العقدين الماضيين بمثابة الحقبة الأكثر أماناً في الطيران الأميركي منذ عقود طويلة، وبينما كانت إدارة الطيران الفيدرالية والمجلس الوطني لسلامة النقل يطلعان المشرعين على آخر التطورات طوال يوم الخميس الماضي، كان القادة المنتخبون يبحثون عن إجابات حول النهاية المفاجئة لتلك الحقبة على ما يبدو. عن «بوليتيكو»
تصريحات متسرعة
برج المراقبة في مطار ريغان الوطني. أ.ف.ب
حتى قبل ظهور الإجابات عن سبب الكارثة الجوية الأخيرة في الولايات المتحدة، زعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، دون دليل، أن سياسات التنوع في إدارة الرئيس السابق جو بايدن ساعدت في التسبب بالحادث، وخص بالذكر على وجه التحديد وزير النقل السابق بيت بوتيغيغ. ورد الأخير، الذي ضغط من أجل الحصول على إجابات حول أسباب حوادث الاصطدام في الطائرات عندما كان وزيراً، على منصة «إكس»، بأن تصريحات ترامب كانت متسرعة و«غير ذات صلة».
. الأسئلة حول تصرفات مراقبي الحركة الجوية وطاقم المروحيات ظهرت بسرعة بعد الحادث الأخير.
. الهدوء النسبي في المجال الجوي للولايات المتحدة خلال العقدين الماضيين كان بمثابة الحقبة الأكثر أماناً في الطيران الأميركي.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: سنوات من التحذيرات سبقت كارثة واشنطن الجوية - الخليج الان اليوم السبت 1 فبراير 2025 02:37 صباحاً