شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: بين الحلحلة والتعقيد... حكومة سلام "الإصلاحية" تصطدم بواقع "المحاصصة"! - الخليج الان ليوم السبت 8 فبراير 2025 05:12 صباحاً
يصرّ رئيس الحكومة المكلف نواف سلام على اغتنام كلّ فرصة تُتاح له، للتذكير بالمعايير التي وضعها منذ اليوم الأول لدخوله "بازار" التأليف، إن صحّ التعبير، وأولها سعيه لتشكيل حكومة "إصلاحية" تضمّ وزراء من ذوي الكفاءات العالية، وغير الحزبيّين، وغير المرشحين للانتخابات، ويشدّد على "نبذه" كلّ الممارسات التي طبعت الحكومات المتعاقبة، خصوصًا تلك التي يصفها بـ"حكومات الشلل الوطني"، والتي قامت على مبدأ "المحاصصة".
كرّر سلام هذا الكلام من قصر بعبدا مساء الأربعاء، ليشكّل "نقطة فاصلة" بين تطوّرين أساسيّين في مسار التأليف، فهو جاء بعد "حلحلة" طرأت على مهمّته، عقب التفاهم مع "القوات اللبنانية" على حصّتها، أو ما يصفه البعض بـ"تطييب خاطرها"، بعد أيام من التصعيد الذي انتهجه مسؤولو "القوات" وقياديّوها، الذين أبدوا امتعاضهم، بل خيبتهم، ممّا وصفوها بسياسة "الكيل بمكيالين" التي اعتمدها الرجل، مراعيًا من لم يسمّه على حساب من دعمه.
كما جاء كلامه قبل ساعات من "تعقيد آخر" استجدّ على عملية التأليف، عقب الاجتماع الثلاثي الذي عقد في قصر بعبدا، وجمعه إلى كلّ من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، ليفضي إلى "دخان أسود"، بدل ذلك "الأبيض" الذي كان مُنتظَرًا، وهو ما تجلّى في مغادرة كلّ من بري وسلام القصر، من دون صدور المراسيم الموعودة، ليتبيّن انتقال حالة "الامتعاض" من "القوات" إلى "الثنائي"، ما أخّر الولادة الحكومية.
وبمعزل عن "سيناريوهات" ما بعد فشل اجتماع بعبدا الثلاثي، التي تتنوّع تقديراتها بين ولادة حكومية تنتج عن تفاهم جديد، وبين رفع للسقف يصل لحدّ إمكانية الذهاب إلى حكومة "أمر واقع"، فإنّ "المشترك" ما بين "حلحلة" الأربعاء، و"تعقيد" الخميس، قد لا يكون سوى تكريس "المحاصصة" التي يقول رئيس الحكومة المكلف إنّه يرفضها، بل ينبذها بالمُطلَق، فهل تبرّر الغاية الوسيلة، أم أنّ المكتوب يُقرَأ من عنوانه؟!.
لعلّ هذه "المحاصصة" تتجلّى خير تجلّ، في معالجة عقدة "القوات" التي سيطرت على المشهد على امتداد أيام الأسبوع الماضي، فالامتعاض الذي عبّر عنه قياديّو ومسؤولو "القوات"، والهواجس التي أثاروها، والأسئلة التي قالوا إنّهم ينتظرون إجابات "وافية" من رئيس الحكومة المكلّف عليها، والتي تتمحور حول سياسة الحكومة وخطوط بيانها الوزاري، كلّها أمور تمّ تجاوزها، بمنح "القوات" أربع حقائب، بينها وزارة الخارجية، المصنّفة "سياديّة".
قد يقول قائل إنّ لـ"القوات" الحقّ بالحصول على "حصّة الأسد" في "حكومة العهد الأولى"، بالنظر إلى الحيثيّة التي تمثّل، ولا سيما أنّ كتلتها النيابية، "الجمهورية القوية"، أضحت الكتلة المسيحية الأكبر بلا منازع، بعدما تقلّص عديد كتلة "التيار الوطني الحر" بفعل عمليات الطرد والانشقاق، فضلاً عن كونها لعبت دورًا محوريًا في انتخاب رئيس الجمهورية، وتسمية رئيس الحكومة المكلف، ومن دون "الزخم" الذي منحته للرجلين، كانت الكثير من المعطيات لتتغيّر.
وقد يقول قائل إنّ من حقّ "القوات" أيضًا الحصول على حقائب أساسيّة من النوع الذي حصلت عليه أخيرًا، وكذلك على حقيبة سياديّة، وهي التي لم تُمنَح هذا الحقّ سابقًا، فيما حصل عليه "التيار الوطني الحر" مثلاً، وذلك على الرغم من أنّ "القوات" قدّمت نماذج تُحتذى في العمل الوزاري برأي كثيرين، وهو ما أقرّ به خصوم "القوات" قبل حلفائها، بما في ذلك "حزب الله" نفسه، حيث اعتمدت العلاقات مبدأ الفصل بين الموقف السياسي والعمل الوزاري.
إلا أنّ كلّ ما سبق لا يحجب حقيقة أنّ معالجة عقدة "القوات"، إن صحّ التعبير، قامت على مبدأ "المحاصصة" حصرًا، فـ"القوات" اعترضت على ازدواجية المعايير، ورفضت حصول "الثنائي" على حقيبة المالية، واشتكت من غموض سياسة الحكومة، وسألت عن مدى استعدادها لتنفيذ القرارات الدولية، وربما نزع سلاح "حزب الله"، فعولجت هواجسها وتحفّظاتها، بمنحها "حصّة دسمة" من الحقائب، وهو ما يندرج في خانة "المحاصصة" بطبيعة الحال.
مع حلحلة "عقدة القوات" ساد الانطباع بأنّ الحكومة "قيد الولادة"، فالثقة باتت مضمونة، والعقد الأساسية حُلّت، وما بقي على مستوى "التيار الوطني الحر" وتكتل "الاعتدال" مثلاً ليس من شأنه "تفجير" الحكومة، لتأتي وقائع اليوم التالي لتعيد الأمور إلى "التأزّم" بصورة أخرى، مع ظهور "عقدة" قديمة جديدة، عنوانها "الوزير الشيعي الخامس"، الذي لم تشمله التفاهمات الأولية بين سلام و"الثنائي الشيعي"، ولو أنّ الأخير قرأ فيها ما هو "أبعد" من هوية وزير.
تُعطى الكثير من التفسيرات لهذه العقدة المستجدّة، فالمقرّبون من رئيس الحكومة المكلّف يردّون على الانتقادات التي يتعرّض لها، أو ما يصفه هو بـ"الحملات المجحفة"، بالحديث عن "مكسب تاريخي" تحقّق، ليس إلا "كسر" مبدأ "احتكار" الثنائي للحصّة الشيعية، ما يعني أنّ الأخير لا يمكن أن يكون من يسمّي الوزير الشيعي الخامس، ولو كان التفاهم المسبق وفق بعض التسريبات، أن يكون لديه حق "الفيتو" المثير للجدل على اسم هذا الوزير.
في المقابل، يتحدّث المحسوبون على "الثنائي" عن نوايا غير بريئة خلف محاولة "فرض" الوزير الشيعي الخامس عليه، خلافًا لكلّ التفاهمات المسبقة، ويشدّدون على أنّ الأمر ليس أبدًا مرتبطًا باسم وزير بالزائد أو بالناقص، بل هو "أعمق" من ذلك، بل ينقلون انطباعًا لدى "الثنائي" بوجود رغبة لدى البعض بإحراجه لإخراجه من الحكومة، انسجامًا مع الضغوط الدولية، والأميركية خصوصًا، بإبعاد "حزب الله" عن الحكومة، وهي لم تعد خافية على أحد.
ويستدلّ أصحاب هذا الرأي على ذلك بما صدر عن الموفدة الأميركية مورغان أوتاغوس، "خليفة" آموس هوكستين، خلال زيارتها إلى بيروت، حين قالت بكلّ صراحة، إنّها تريد "التأكد" من أنّ "حزب الله" سيبقى خارج الحكومة، بعدما أعربت عن "امتنانها" لإسرائيل التي "هزمته عسكريًا"، وفق تعبيرها، علمًا أنّ مثل هذا التصريح لا يتناقض فحسب مع دورها المفترض كـ"وسيطة"، وإنما يشكّل تدخّلاً يكاد يكون غير مسبوق بهذا الشكل، في شؤون داخلية.
ويضيف هؤلاء إلى هذه المخاوف، "استياءً" تولّد لدى "الثنائي" من طريقة معالجة هواجس "القوات" بمنحها حقائب أساسية، بينها حقيبة الصناعة مثلاً، التي كان يفترض أن تكون من حصّة الوزراء الشيعة، وفق التفاهمات التي أبرمت مع رئيس الحكومة المكلّف، ما يعني مرّة أخرى أنّ المسألة هي مسألة "محاصصة" أيضًا وأيضًا، ولو أصرّ رئيس الحكومة المكلف على المعايير "الإصلاحية" التي يقول إنّه لن يتخلّى عنها.
استبشر الكثيرون خيرًا برئيس الحكومة المكلّف، وهو الآتي من خارج المنظومة، وصاحب الخبرة الطويلة في أهمّ المؤسسات الدولية. لكن بين هؤلاء "المتفائلين" بالرجل من خاب أمله، حتى لو صحّت نظرية أنّ "الغاية تبرّر الوسيلة"، باعتبار أنّ الهدف الآن هو تشكيل الحكومة، ليبدأ العمل الحقيقي والجدّي. إلا أنّ "المكتوب الذي يُقرَأ من العنوان" لا يبشّر بالخير، فالحكومة "الإصلاحية" المنتظرة والموعودة، لا تتحقّق شروطها بالمحاصصة، ولو لـ"تطييب الخواطر"!.