شكرًا لمتابعتكم، سنوافيكم بالمزيد من التفاصيل والتحديثات الاقتصادية في المقال القادم: حكومة نواف سلام وموازين الربح والخسارة... هل تختلف حقًا عن سابقاتها؟! - الخليج الان ليوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 03:30 صباحاً
على الرغم من كلّ التعقيدات التي أحاطت بتأليفها، والتي اختلطت فيها عوامل الداخل والخارج والمحاصصة والنفوذ، نجحت حكومة نواف سلام الأولى، أو حكومة العهد الأولى كما يحلو للبعض وصفها، في تحقيق ما عجزت عنه الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الماضية، على مستوى "السرعة"، فأبصرت النور في أقلّ من شهر، متجاوزة العقبات والألغام التي وُضِعت في طريقها، خصوصًا بعد اجتماع بعبدا الذي أوحى بعودة الأمور إلى نقطة الصفر.
وإلى جانب السرعة، قد تكون حكومة نواف سلام الأولى نجحت في تحقيق "مكاسب" أخرى، يصفها البعض بـ"التاريخية"، من بينها أنّها غيّبت "الحزبيّين"، كما خلت، على الأقلّ ظاهريًا، من "الثلث المعطّل" الذي لطالما حصده "حزب الله" مع حلفائه، وبينهم "التيار الوطني الحر" الذي "أخرِج" من الحكومة، وأنّها كسرت "احتكار" الحزب وحركة أمل للمقاعد الشيعية، كما أنّها "تجاوزت" منطق "المحاصصة"، إن جاز التعبير، ولو بصورة نسبيّة.
لكن، في مقابل هذه "المكاسب" التي يبدو أنّها تحتمل الأخذ والردّ، في ضوء تباين وجهات النظر بشأنها، ثمّة من يسجّل على هذه الحكومة بعض "الإخفاقات" في طريقة تأليفها، رغم المعايير التي أصرّ رئيسها على تكرارها في كلّ إطلالاته، من بينها المعايير "المزدوجة" التي اعتُمدت، أو ما يصفه البعض بسياسة "الكيل بميالين"، بما في ذلك الوقوف على خاطر "الثنائي الشيعي" و"القوات اللبنانية" مثلاً، على حساب أطراف أخرى، هُمّشت بكلّ بساطة.
وضمن "الإخفاقات"، ثمّة من يلمّح إلى دور لعبه الخارج على خطّ تشكيل الحكومة، مع تسجيل "مفارقة" ظهورها للعلن بالتزامن مع زيارة نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، وتصريحاتها المثيرة للجدل، فكيف تُقرَأ هذه الحكومة بموازين الربح والخسارة، وهل يمكن الحديث عن "غالب ومغلوب"، أو ربما "غالبين ومغلوبين" على خطّها، وبماذا تختلف عن سابقاتها اعتمادًا على كلّ ذلك؟.
في المبدأ، وعلى الرغم من محاولة رئيسي الجمهورية جوزاف عون والحكومة نواف سلام، "تحييد" الحكومة عن الأحزاب والقوى السياسية، باعتبار أنّ وزراءها هم من ذوي الكفاءات ومن غير الحزبيّين، انسجامًا ربما مع الضغوط الدولية خصوصًا لجهة إقصاء "حزب الله"، قد لا يكون من الصعب الحديث عن "رابحين وخاسرين" مع تشكيل هذه الحكومة، ولو أنّ القائمة "تتفاوت" أيضًا بين فريق وآخر، وفقًا للأهواء السياسية.
إلا أنّ ما قد يتّفق عليه الجميع، قد يكون في تصنيف "التيار الوطني الحر" بقيادة الوزير السابق جبران باسيل "خاسرًا أكبر" في هذه المعركة، ليس فقط لأنّه أضحى خارج الحكومة للمرّة الأولى منذ العام 2008، ولكن أيضًا لأنّ "القوات اللبنانية" تحديدًا حصلت على "حصّة الأسد" فيها، وهو ما مثّل "انتكاسة" لباسيل، تعبّر عنها خير تعبير، "حرب البيانات" التي اندلعت بين "التيار" و"القوات" مباشرةً بعد إعلان التشكيلة الحكومية.
ولعلّ ما يعزّز وضع باسيل على رأس "الخاسرين"، يكمن في أنّه لم يخرج "طوعًا" من الحكومة، بل على العكس من ذلك، بقي حتى اللحظة الأخيرة قبل ولادتها، متمسّكًا بفكرة المشاركة فيها، شاكيًا من عدم تلقّيه أيّ عرض جدّي من رئيس الحكومة، الذي كان لافتًا أنّه لم يرفع السقف ضدّه طيلة مرحلة التأليف، وكأنّه كان يأمل أن يعيد الأخير النظر بتشكيلته، أو ربما أن يختلف مع "القوات"، فيلجأ عندها إلى "التيار" لضمان الثقة.
بين الخاسرين أيضًا، تظهر بعض الكتل التي عبّرت عن نفسها بنفسها، خصوصًا على المستوى السنّي، ومن بينها كتلة "الاعتدال" التي بدا أنّها فقدت في معركة التأليف زخمًا كبيرًا حصدته في مرحلة الاستحقاق الرئاسي مثلاً، فتحوّلت بسبب تصريحات عدد من نوابها، وليس جميعهم، إلى "طامحة" للتوزير ليس إلا، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ شظايا "معركة التأليف" ستصيب كتلة "الاعتدال"، التي انقسمت على نفسها بصورة أو بأخرى.
في المقابل، لا تبدو قائمة "الرابحين" ثابتة، أو محسومة، فهناك من يضع "القوات" مثلاً على رأس القائمة، ليس فقط لأنها حصلت على حقيبة سيادية هي حقيبة الخارجية للمرة الأولى في تاريخها، لكن قبل ذلك، لأنها حجزت لنفسها موقعًا متقدّمًا في المعادلات المسيحية، في مقابل التراجع التاريخي لـ"التيار الوطني الحر"، كما أنّها فرضت نفسها "عرّابة العهد"، إن صحّ التعبير، جنبًا إلى جنب الرئيس جوزاف عون.
على القائمة أيضًا، يبرز "العهد" الذي بات بإمكانه أن ينطلق فعليًا، ويندرج في هذه الخانة الرئيس عون، ولكن أيضًا رئيس الحكومة، الذي لا يخفى على أحد أنه يسعى لتكريس "زعامة" يفتقدها المكوّن السنّي في المرحلة الحالية، وقد سمّى بنفسه نصف أعضاء الحكومة تقريبًا، ليتفرّع عن ذلك أيضًا ربح لـ"17 تشرين" إن صحّ التعبير، باعتبار أنّ الحكومة تلبّي إلى حدّ بعيد، ما كانوا يطالبون به، لجهة الذهاب إلى حكومة إصلاحية، بمعزل عن الأحزاب.
ويبقى "الثنائي الشيعي" الذي تختلف الآراء بشأنه، فهناك من يعتبر أنّ الحكومة شكّلت تراجعًا له، بفقدانه الثلث المعطّل، وغيره من الامتيازات، فيما يرى آخرون أنه يبقى "الرابح الأكبر"، فهو تجاوز كلّ الضغوط، ونال مراده رغم عدم تسميته لسلام في الأساس، فاحتفظ بحقيبة المالية التي شكّلت عنوانًا للمعركة ضدّه، حتى إنّ الوزير الشيعي الخامس الذي يهلّل البعض له، لم يصل إلا بـ"مباركته"، وبالتالي ثبّت موقعه في المعادلة، وفق منطق أن "لا حكومة من دونه".
صحيح أنّ تحديد "الرابحين" من هذه الحكومة يتفاوت، بين من يرى "العهد" رابحًا، ومن يعتبر "القوات" رابحة على حساب "التيار"، ومن يجزم أنّ "الثنائي" ربح بإجهاضه "المؤامرة"، لكن بعيدًا عن محاولات تسجيل النقاط بين فريق وآخر، على خلفية التشكيلة الحكومية، يبقى الأساس أن يكون الوطن هو الرابح، وهو ما يتطلب مقاربة مختلفة عن كلّ هذا النقاش، تغلّب العمل على التجاذبات، والإصلاح على الكيديّات.
ولذلك، فإنّ المطلوب من الحكومة وفق ما يقول العارفون، الانطلاق إلى العمل الفعلي والحقيقي، وعدم الغرق في مستنقع التجاذبات السياسية، التي من شأنها أن تطيح بكلّ المكاسب، إن كانت جدّية وحقيقية، علمًا أن التحديات التي تنتظر هذه الحكومة كثيرة، خصوصًا على المستويين الاجتماعي والاقتصادي، باعتبار أنّ قضايا الناس الحياتية يفترض أن تكون "الأولوية"، فضلاً عن ملف إعادة الإعمار، الذي لا يمكن تجاهله.
ولعلّ "المفصل الأساسي" في سبيل ذلك، يكمن في استحقاق "البيان الوزاري" الذي ينطلق مع أولى جلسات الحكومة، والذي قد يشكّل "خارطة الطريق" التي يمكن من خلالها الحكم على الحكومة إيجابًا أو سلبًا، فإما تكرّس رغبتها بالعمل، بعيدًا عن المهاترات، وربما الشكليّات، وإما تعلن فشلها من اليوم الأول، فتلتحق بغيرها من الحكومات الجامعة للتناقضات، أو التي يصفها نواف سلام نفسه، بـ"حكومات الشلل الوطني"!.