نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: «ترمبتشوف» ومفاجآت 2025 - الخليج الان اليوم الثلاثاء 11 فبراير 2025 09:58 صباحاً
بعيداً عن القناع الذي بدا فيه تحالف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الثانية مع دهاقنة «السيليكون فالي» الذي جعله أقرب إلى المطوّر العقاري منه إلى زعيم أقوى دولة، فإننا أمام نسخة جديدة مركبة وهجينة لا يمكن تبسيطها عبر خطابه أو لغته أو تصريحاته التي لا تمت إلى عالم السياسة.
ترمب 2025 وفي أقل من شهر أصبح حديث الداخل الأميركي كما الخارج ومحط أنظار المحللين والخبراء ومراكز الأبحاث وخزانات التفكير وبشكل لافت، وذلك بسبب أدواته الشعبوية وتقلباته السياسية حتى بات معضلة تحليلية تكاد تعجز أدوات الفهم التقليدية عن استيعابها.
تكرار المفاجآت التي يصنعها كل يوم عبر تصريحاته النارية أو تحركاته القانونية والسياسية حوّله إلى شخصية إشكالية بامتياز في الداخل الأميركي وعلى الصعيد الدولي.
وبما أن السياقات من هذا النوع تقود إلى محاولة قراءة الشبه، يتم طرح اليوم ما يعنيه ترمب (2025)، هل هو دينغ الصيني (1978) أو غورباتشوف الاتحاد السوفياتي (1991)، باعتبارهما نماذج ثورية تحاول تغيير تشكل عالمنا وموازين القوى فيه بحسب ورقة نشرها قبل أيام رين مولرسون الخبير والرئيس السابق لمعهد القانون الدولي في جنيف.
ربما كانت أوجه الشبه بين ترمب وميخائيل غورباتشوف، آخر زعماء الاتحاد السوفياتي، أكثر من أي نموذجين على الرغم من المسافة الكبيرة وربما التباين بينهما على مستوى الآيديولوجيا والخلفية الفكرية، ترمب يميني شعبوي يرفع شعار إعادة أميركا عظيمة مجدداً وغورباتشوف «البطل التراجيدي» كما يحلو للأستاذ حازم صاغية وصفه به حيث حاول إنقاذ إمبراطورية مترنحة عبر «البيريسترويكا: إعادة الهيكلة»، ومع ذلك كانت المفاجآت غير المتوقعة أكثر أوجه الشبه بين الشخصيتين من دون قصدية، فغورباتشوف ما كان ينوي تفكيك الاتحاد السوفياتي على النحو الذي آلت إليه الأمور، أمّا ترمب، وهو ينحو صوب استعادة العظمة، فيمضي قدماً في تغيير المألوف والمعتاد في طبيعة المقاربات والاستراتيجيات الأميركية، وربما امتد ذلك إلى بنية النظام من المحاكمات المتلاحقة إلى استقطاب وتقوية الكتلة الصلبة من اليمين المحافظ وتحويلها إلى قوة وازنة قد تعيد تشكيل الحزب الجمهوري نفسه، بل والديمقراطية الأميركية ذاتها والأكيد أننا أمام سردية ترمبية جديدة غير التي يعرفها العالم عن الولايات المتحدة.
مفاجآت 2025 لا تخصّ الشرق الأوسط أو حتى غزة، بل هي تحولات في مقاربة العلاقات الدولية من «الناتو» إلى صعود المخاوف الأوروبية، فضلاً عن ارتباك الدول المتاخمة لأميركا من حالة الاستعداء وأجواء الحرب الاقتصادية، وهو ما سيعزز في كل هذه المناطق توجهات حثيثة لبناء رؤية مستقلة وتغليب مسائل السيادة والأمن الوطني، والسعي إلى بناء تكتلات وتأجيل الخلافات والتمايزات لبناء موقف موحد ومتجانس ضد حالة التجريب التي لا تحتملها معطيات الواقع وبشكل أخص في منطقة ملتهبة ومعقدة تمر بمنعطفات حرجة كالشرق الأوسط.
هل «الترمبتشوفية» حالة مؤقتة تعكس روح «فن الصفقة» في الذهاب بعيداً في المطالبات وتوقع الأقل، أم أنها بداية لتحول حقيقي في السياسة الأميركية؟ لا أحد يملك الإجابة لكن التاريخ علمنا أن الشخصيات القلقة وفقاً لتوصيف الفيلسوف العربي الكبير عبد الرحمن بدوي من أبرز سماتها أنها تخلق حالة استقطاب كبير قد تمهد لتحولات كبرى حادة، وربما كان ملف «تهجير» سكان غزة ومقاربة مأساة الفلسطينيين أحد أهم الاختبارات التي تواجهها منطقتنا أمام موجة ترمب الصاخبة، وما يدعو للتفاؤل هذا الموقف المشرف والمبدئي والأخلاقي الذي تقوده السعودية والدول العربية وشرفاء العالم للوقوف بصلابة ضد صلف الكيان الإسرائيلي ومن وراءه مقترحات ترمب غير الواقعية، لكنه أيضاً تحدٍّ يجب أن يقال وبصوت عالٍ يفتقر رغم كل الظروف إلى وحدة فلسطينية بالدرجة الأولى حيث اللحظة مواتية لفرصة تاريخية وقد تكون أخيرة للخروج من حالة الاختلاف والاحتراب الفلسطيني - الفلسطيني.
ذات مرة، قال سيوران الفيلسوف التشاؤمي معلقاً على مقولة «ماذا ينفع الإنسان إذا ربح العالم وخسر ذاته»، بقوله: «أنا خسرتهما معاً»، وهذا ما لا يتمناه أحد للنخبة الفلسطينية في هذه اللحظة المفصلية.