نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: ديالو.. مهاجر غير شرعي خدع الطليان ودخل قلوب الإنجليز - الخليج الان اليوم الأربعاء 29 يناير 2025 09:17 صباحاً
تبدأ الحكاية عادةً على أرض عارية، يتصاعد منها غبار يثيره أطفال يركلون الكرة بأقدامهم، ويذهبون للاحتفال تحت ظلال أشجار شاحبة، بعد تسجيل الأهداف في مرمى وهمي مؤطَّر بكتلتين من الحجر أو الطوب. في أحيان أخرى تنطلق الرواية من ملاعب المدارس أو الساحات الشعبية، حيث يطارد آلاف الشباب الأفارقة الكرات، ويحلمون بالثروة والنجومية.
أحلام بيعت لهم ودفعت عائلاتهم ثمنها نيابةً عنهم. وعود بالتجارب الميدانية في أندية عملاقة، ريال مدريد وباريس سان جيرمان وإنتر ميلان ومانشستر يونايتد، ينثرها أمامهم أشخاص يدّعون أنهم وكلاء لديهم اتصالات عبر البحر، وما هم إلا تجَّار بشر.
نادرًا ما تنتهي الرحلة في مسرح الأحلام «أولد ترافورد». لا تجارب، ولا فرص للنجومية كما تُوهِّم. العائلات التي أنفقت كل ما لديها لوضع آمالها بين أيدي محتالين، ترى أبناءها في نهاية المطاف مشرَّدين في أصقاع أوروبا، يحملهم ضيق الحال والعوز على العمل بالسخرة، أو مع عصابات ترويج المخدرات.
أماد ديالو، أحد القلائل الذين تفادوا هذا المصير، وكسروا القاعدة. وُلِد في أبيدجان، عاصمة كوت ديفوار، وسبح إلى شواطئ إيطاليا، قبل اعتلاء عتبة مسرح أولد ترافورد، حصن شياطين إنجلترا.
لكن مهلًا، الرحلة المحفوفة بالمخاطر لم تبدو بهذه السهولة.
قبل أكثر من عشرة أعوام، سلك ديالو، بعمر الـ 12 تقريبًا، طريق الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا. غادر مع قريبه حامد جونيور تراوري، بصفته شقيقه الأصغر، وفي معيّتهما ثلاثة لاعبين آخرين، حاملين تأشيرة عائلية استخرجتها لهم أسرة إيفوارية تقطن البلد الواقع جنوب أوروبا.
حامد ممادو تراوري، قريبهما الإيفواري الذي يعيش في إيطاليا، وزوجته مارينا إدويج تيهير، ادّعيا أنهما والدا الأخوين، فيما تكفّل معارف وأقارب آخرين بانتحال صفة أبويّ بقية الصبية المهرَّبين.
سمحت إيطاليا لأماد وحامد بالدخول، إعمالًا لقانون «لم شمل الأسرة» السائد لديها، حتى يعيشا في كنف والديهما.
سُمِّي الفتى الصغير في الأوراق الثبوتية أماد ديالو تراوري، نسبة إلى عائلته الجديدة، فيما بقي تعريف أخوه الافتراضي، حامد جونيور، دون تغييرات، بحكم حمله لقب تراوري في الأصل.
وفي سبتمبر 2014، وصل اللاعبان إلى نادي بوكا باركو، منجم المواهب الواقع شمال إيطاليا، عبر توصية كشّافين رصداهما في بارما، المدينة التي انتقلا إليها برفقة والدتهما الزائفة.
هناك سحرت موهبة أماد الأفئدة. «كان من المستحيل ألا تلاحظ قدراته. تمتّع ببنية قوية، على الرغم من قامته غير الطويلة، وأكثر ما تميز به تقنياته. ماهر، حركي، سريع، يضع الكرة على الأرض ويتخطى الجميع»، هذا ما قاله عنه دينيس سيرليني، رئيس قطاع الناشئين في نادي بوكا باركو لموقع «ترانسفير ماركت» الإلكتروني عام 2017.
سويًا، سافر الاثنان إلى جميع أنحاء إيطاليا. اختُبرا في يوفنتوس، وبولونيا، وروما، وأندية أخرى. وفي إحدى البطولات التجريبية عام 2015 أسر أماد أعين مسؤولي أتالانتا بيرجامو الحاضرين، وقرروا ضمّه، بينما فاز إمبولي بخدمات حامد.
المادة «19» من لائحة الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» تحظر إحضار لاعبين أجانب تحت عمر الـ 18 بدون أولياء أمورهم، لكن العائلة التي ادّعت بالكذب والضلال أبوَّة الصبيين، لم يكن من الصعب عليها تجاوز هذه العقبة بإثبات أنها انتقلت إلى إيطاليا «لأسباب أخرى غير كرة القدم»، التفافًا على النص.
ومن خلال هذه الثغرة وجد الشاب الصغير طريق الانضمام إلى أتالانتا ممهدًّا أمامه بلا عراقيل.
منذ لحظة التحاقه بأتالانتا، انفصل أماد عن حامد، الذي يكبره بعامين، وترك هواء مدينة بيرجامو المنعش يداعب خياله المشحون بحلم بالركض على ملاعب الدوري الإيطالي، اقتداءً بالفرنسي بول بوجبا، مثله الأعلى.
مع شباب أتالانتا، تفجّر مكنون موهبة الإيفواري. تقنيات التحكم بالكرة، وتغيير السرعات والاتجاهات أثناء الركض، والمرور برشاقة في المساحات الضيقة. تسللاته السلسة بين أسراب الخصوم تجسّد فيها تأثير بصمة مدينة أبيدجان، مسقط رأسه، التي يحجّ قاطنوها عبر شرايينها الضيقة نحو ضفاف بحيرة إيبيريه، على غرار أسلوبه في اختراق تكتلات المنافسين.
غير أنَّ الحياة قد تعبس بوجهها بغتةً، وتقلب للحالمين ظهر المجن. ففي يوليو 2020 فتح مكتب المدَّعي العام الفيدرالي في بارما، تحقيقات حول ملف الاتجار بلاعبي كرة القدم. كان من بين المتورطين حامد ممادو تراوري، الأب المفترض لأماد، الذي اتُّهم بالاحتيال لتسهيل هجرة الفتى وآخرين إلى إيطاليا. تحرّى التحقيق أيضًا حول طبيعة العلاقة بين لاعب أتالانتا، وشقيقه المزعوم الذي كان ينتمي وقتها لنادي ساسّولو.
وعَملًا بحكمة «إذا لم تستطع تغيير الواقع، فتصالح معه» قرَّر أماد آنذاك إشهار نسبه الحقيقي، وغيَّر اسمه على تطبيق «إنستجرام» من «أماد تراوري» إلى «أماد ديالو»، وكتب «لا تناديني تراوري بعد الآن».
وبينما كانت التحقيقات ماضية، شرع مسؤولو نادي مانشستر يونايتد في مخاطبة إدارة أتالانتا للتعاقد مع ابن الـ 18 عامًا، بعد متابعتهم مبارياته بقميص فريق «القديسين». خلال أكتوبر تمت الصفقة بمبلغ إجمالي بلغ 37 مليون يورو، وفُعِّلت رسميًا عبر نافذة انتقالات يناير 2021، ليجتمع ديالو مع بوجبا، الذي دشَّنت صورتهما سويًا حساب «إنستجرام» اللاعب الإيفواري عام 2015.
وفي بارما، جُمِعت المعلومات وتوفُّرت الأدلة، وأدين اللاعب في 9 فبراير 2021 بانتهاك قانون العدالة الرياضية الإيطالي عبر انضمامه إلى نادي بوكا باركو عام 2015، تحت اسم أماد ديالو تراوري، بعد تزوير وثائق رسمية لإثبات نسبه، خلافًا للحقيقة، إلى مواطنه حامد ممادو تراوري. وثبتت التهمة ذاتها أيضًا على حامد جونيور، اللاعب الآخر.
وعقب إقرارهما بالذنب أمام المدعي العام، غُرِّم كل منهما 48 ألف يورو، مقابل تسوية القضية، في امتياز لا يلقاه آلاف آخرين مثلهما سلكوا البداية ذاتها وضاعوا وسط زحام أوروبا.
وبعد 9 أيام من الإدانة، منحه النرويجي أوله جونار سولشاير، مدرب مانشستر، الظهور الأول مع الفريق، أمام ريال سوسيداد الإسباني، ضمن بطولة الدوري الأوروبي. وفي 11 مارس التالي سجَّل باكورة أهدافه بقميص «الشياطين الحمر» عبر رأسية، وظهره للمرمى، ولجت شباك ميلان الإيطالي، لحساب البطولة ذاتها.
مع انتصاف الموسم التالي «2021ـ2022»، رحل ديالو معارًا 6 أشهر إلى رينجرز الإسكتلندي، وحين عاد فقد زمالة قدوته بوجبا، الذي تركه النادي الإنجليزي يرحل دون مقابل.
ومُجدَّدًا، أعير الإيفواري الشاب، صيف 2022، إلى سندرلاند في دوري القسم الثاني الإنجليزي. وخلال موسم الإعارة اعتلى صدارة هدافي فريقه في القسم الثاني برصيد 14 هدفًا، وساعده على الوصول إلى تصفيات التأهل للدوري الإنجليزي الممتاز «بريمييرليج» قبل العودة إلى يونايتد.
لسوء حظه، تعرض خلال فترة الإعداد صيف 2023 لإصابة قوية في الركبة احتاج عدة أشهر للتعافي منها، وعاد مع بدايات العام الماضي بخطى متباطئة.
ومع انطلاقة الموسم الجاري، أصبح لاعبًا أساسيًا، وأخذ منحنى أدائه وتأثيره في التصاعد تدريجيًا حتى بات أحد أبرز نجوم يونايتد، وهدَّافه بالشراكة مع البرتغالي برونو فيرنانديز، قائد الفريق.
أما بوجبا، الذي كان ديالو يتوق للعب إلى جواره، فأخذ في التواري والانزواء، تزامنًا مع تقدّم الإيفواري على سلم النجومية، وسقط صريعًا في وحل المنشطات، وفسخ يوفنتوس الإيطالي عقده، وانحسرت عنه الأضواء، وصار نسيًا منسيًا.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات الرياضية.
0 تعليق