نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أدب السجون روايات صيدنايا - الخليج الان اليوم الأربعاء الموافق 5 فبراير 2025 09:35 صباحاً
يقال إن أكثر الآداب مصداقيةً وواقعيةً هي تلك التي تنشأ عن تجربة حياتية معاشة، ويسمى بأدب الواقع، أو الأدب الواقعي، وأن أصدقها تلك التي يرويها صاحبها في غياهب السجون.
لقد أصبح جزءاً يعتدّ به من المعرفة والأدب ما يسمى بأدب السجون، وهذا يعود الفضل فيه إلى عجائبية وغرائبية مجريات الأحداث اليومية في معظم السجون العربية بالتحديد.
لم يثبت حتى كتابة هذه الكلمات أن هناك أثراً مباشراً في أن تغيير السلوك لدى المسجون يعود بالدرجة الأولى إلى وجوده داخل السجن، لا بل هناك كثير من المؤشرات تدلل على أن السجن لا يؤثر إيجاباً على المسجون، وإنما تأثيره المباشر يكون سلبياً، فيخرج السجين مكسورة فيه الإرادة والكرامة وعدم الرغبة في مواصلة الحياة بشغفها وفعالياتها. وقد يخرج حاقداً أو ناقماً على المجتمع بأسره.
يخرج وقد أصبح ركاماً من بقايا إنسان باهت بلا ملامح وبلا أدنى تطلعات ورغبات. إنسان مجرّد من الشعور والإحساس، مصاب ببلادة وعجز مقيم مع وصمة اجتماعية ترافقه ما بقي له من الحياة. إنسان قابل للمهانة والوضاعة وأية صفات غير حميدة. ويمكن أن يكون عكس ذلك تماماً بأن يخرج ليعيد بناء حياته وأسرته وعلاقاته، ليصبح أحد البناة في المجتمع، فعالاً مساهماً في شؤون الحياة اليومية. وقد يخرج ناقماً متمرداً على الحياة بأسرها، يحمل فكراً قابلاً لتدمير العالم.
في السجن تصبح أقل الأشياء لها حميمية ويمكن إقامة علاقة دافئة معها، هناك من وطد علاقته بخيوط الشمس المنسلّة من أعلى كوةٍ في جدار الزنزانة، من أصبح صديقاً لنملةٍ أو حشرةٍ يحدثها ويعتب عليها ويحزن لأجلها ويطعمها مما تيسّر من وجبته البائسة. هناك من يرسم عالماً بأكمله على جدار المهجع، أي خيالٍ جامح ذاك الذي يعتور النفس السجينة.
في أدب السجون غصّة في حلق الوجدان، لا ادري كيف يستطيع إنسان أن يكمل مطالعة رواية سجين، حاولت مراراً أن أكمل قراءة رواية القوقعة للمعتقل السوري المسيحي الذي احتجز لأكثر من عشرة أعوام بتهمة الانتماء للإخوان المسلمين، لم يحاكم ولم يطلب للإفادة ولم يدر لماذا هو معتقل ولماذا تم الإفراج عنه، منذ سنين والرواية تصفع وجهي عندما أتصفح جهاز الحاسوب، أفتحها على مضض وحيرة وخوف، أطالع بعض فقراتها، فأرتد مذعوراً من هول وقع سياطها.
لم أستغرب أبداً عدم ظهور مساجين بعشرات الآلاف من السجون في سوريا، حيث السائد جملة « الاختفاء القسري» وهي جملة تعني التخلّص من تبعات الإقرار بوجود الشخص في الاعتقال، والتخلّص من عبء الرعاية والطبابة والطعام والحراسة لهؤلاء، فكان من الطبيعي موتهم بعد تعذيبهم ومن ثمّ تذويبهم في الأسيد، أو بضغط عظامهم الملتصق بلحمهم تحت أسنان آلة ضغط اللحم البشري. ثم بإلقائهم كبقايا بشرية في مقابر جماعية بلا مراسم وبلا وداع وإلقاء النظرة الأخيرة، أي نظرةٍ تلقيها على كومة عظام مسحوقة وممتزجة بلحوم أجساد لم تعد تذكر أسمائها، فهي كانت مجرّد أرقام في زرائب تعفّ عنها أقذر الأغنام.
في أدب السجون تكتظ أوحش صور الوجع البشري والإهانة للكرامة ومنسوب التوحّش وفنون التعذيب وصولاً إلى أن يصبح الموت أقصى الأماني للسجين.
روايات سجن صيدنايا ليست الأفظع فقط، لكنها بالتأكيد تتبوأ المراتب الأولى في الدلالة على حجم الشرور البشري، ففي كل بلد حكايات وروايات سجناء، لكنها لا تصل في إبداعها وآفاق تصوراتها لما وصلت إليه في تدمر وصيدنايا وليمان طرة وأبو غريب. وللحكاية حكايات تروى.
نشكركم على القراءة، ونتطلع لمشاركتكم في مقالاتنا القادمة للحصول على أحدث الأخبار والمستجدات.
0 تعليق