اقتصاديون أمريكيون لـ« البيان »: ترامب يعيد تشكيل التجارة العالمية - الخليج الان

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: اقتصاديون أمريكيون لـ« البيان »: ترامب يعيد تشكيل التجارة العالمية - الخليج الان اليوم الأربعاء 5 فبراير 2025 11:37 مساءً

منذ حملته الانتخابية ثم عودته إلى البيت الأبيض لم يضيّع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقتاً في إعادة إحياء سياساته الاقتصادية التصعيدية، مستأنفاً نهجه القائم على فرض الرسوم الجمركية كونها أداة ضغط على الشركاء التجاريين، الأمر الذي من شأنه رسم واقع جديد للعلاقات والتجارة الدولية.

لم يكتفِ ترامب - الذي وصف «الرسوم الجمركية» بأنها «أفضل كلمة في القاموس»- بإطلاق التهديدات، واستغرق الأمر نحو عشرة أيام فقط بعد تنصيبه، ليبدأ فعلياً في فرض أول الرسوم على شركاء تجاريين، خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قبل أن يعود ليؤجل تطبيقها على كل من كندا والمكسيك مطلع الأسبوع، في خطوة تحمل إشارات مزدوجة بين التصعيد، وإمكانية التفاوض.

إشهار الرئيس الأمريكي سلاح الرسوم الجمركية بوجه الشركاء التجاريين كوسيلة ضغط يبعث برسالة واضحة، مفادها أن الإدارة الأمريكية عازمة على إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية، وفقاً لمصالحها، ولو كان الثمن إشعال حرب اقتصادية جديدة تهدد استقرار الأسواق الدولية؛ ذلك أنه من شأن تحريك عجلة الرسوم الجمركية بهذا الشكل أن يعيد رسم ملامح المشهد الاقتصادي الدولي، حيث تجد الشركات الكبرى نفسها أمام حالة من عدم اليقين، تدفعها إما إلى تقليص استثماراتها وإما البحث عن سلاسل إمداد بديلة للهروب من التداعيات المحتملة.

كما لا يمكن فصل سياسة ترامب الجمركية عن السياق الأوسع للعلاقات الاقتصادية الدولية، ففي عالم يعتمد على سلاسل التوريد العالمية المترابطة، فإن أي اضطراب في التجارة الدولية ينعكس سلباً على جميع الأطراف، بما في ذلك الصين، على سبيل المثال، التي تعد أحد أبرز أهداف سياسة ترامب الجمركية، والتي قامت بالرد بإجراءات مماثلة (وقد تعهدت بالفعل برفع دعوى في منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، بحسب بيان صادر عن وزارة التجارة في بكين)، مما يزيد من حدة التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم.

كما أن الشركاء التجاريين التقليديين للولايات المتحدة، مثل كندا والمكسيك، يجدون أنفسهم في موقف صعب، فهم من ناحية مضطرون للتفاوض لتجنب الرسوم الجمركية، ومن ناحية أخرى يدركون أن أي تنازلات قد تُضعف من موقفهم التفاوضي في المستقبل.

مسارات بديلة

من الولايات المتحدة يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، ستيفن لامي، في تصريحات خاصة لـ«الخليج الان»، إن ترامب يمثل توجه «النيو-مركنتيلية» (Neo-Mercantilism)، وهو نظام سياسي يركز على تشجيع الصادرات، وتقييد الواردات، والحد من حركة رأس المال، مع تركيز السلطة النقدية بيد الحكومة المركزية، دون اهتمام بالتعاون أو التعددية، أو المؤسسات العالمية مثل منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة العالمية، وحتى الأمم المتحدة.

ويضيف: إن السياسات التي يتبعها ترامب قد تؤدي إلى نشوب حروب تجارية، رغم أن ترامب يبدو غير مكترث بتأثيرها على المواطنين الأمريكيين، الذين صوتوا له، ويشدد على أنه ليس الوقت المناسب لبدء حروب تجارية، بل لإعادة ترتيب المؤسسات العالمية، التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية.

ترامب، حسب لامي، يعتمد على استراتيجيات الصفقة، ويضع مطالب متطرفة، ويتبنى سياسات قسرية لزيادة فرصه في التفاوض وتحقيق مكاسب (سواء لجهة تقليل العجز التجاري أو تعزيز الصناعة المحلية أو حتى تحقيق نفوذ جيوسياسي)، كما يستخدم تهديد الرسوم الجمركية لدفع الدول إلى عقد صفقات معه، مستشهداً بما حدث مع المكسيك وكولومبيا في هذا الصدد أخيراً (وحتى كندا)، حيث نجحت استراتيجية ترامب في الضغط عليهم.

رضخت كولومبيا - قبل نهاية يناير الماضي- لطلب ترامب المرتبط بقبول اللاجئين غير الشرعيين، الذين تم ترحيلهم وإرسالهم في طائرات عسكرية أمريكية، وذلك بعد ساعات قليلة من تهديدات الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25% مع زيادتها إلى 50%، وبالرغم من الموقف المعارض القوي، الذي اتخذه الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو.

وفي هذا السياق يعتقد لامي أن «العالم بحاجة لمواجهة ترامب من خلال إنشاء قواعد مؤسسية وتجارية أقوى»، مشيراً إلى أن الصين ودول البريكس تتبنى هذا النهج، بينما الاتحاد الأوروبي بحاجة لاستكشاف روابط تجارية مع أفريقيا، كما أشار إلى الحديث في كندا عن تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

ولطالما تعامل ترامب مع الرسوم الجمركية باعتبارها أكثر من مجرد أداة اقتصادية، بل كوسيلة ضغط سياسي لانتزاع مكاسب تفاوضية، فهو يستخدمها لتخويف الخصوم، ودفعهم إلى تقديم تنازلات تصب في مصلحة واشنطن، سواء على مستوى التجارة أو في ملفات سياسية أوسع مثل ملف الهجرة.

صدامات تجارية

ومع أن تأجيل فرض الرسوم على كندا والمكسيك يشير إلى إمكانية التوصل إلى تفاهمات، إلا أن التهديد المستمر بإشهار هذا السلاح يعزز المخاوف من دخول الاقتصاد العالمي في موجة جديدة من الصدامات التجارية، التي قد تعيد إلى الأذهان مشهد الحرب التجارية، التي اندلعت بين واشنطن وبكين عام 2018.

يقول الأستاذ بقسم العلوم السياسية جامعة مكغيل الكندية، ريكس براينن، في حديثه مع «الخليج الان»، إن إدارة الرئيس الأمريكي من خلال سياسة الرسوم الجمركية تقوم بعدة أمور في آن؛ فهي أولاً تستخدم التعريفات، وتهديدات الحرب الاقتصادية لتخويف شركائها التجاريين وابتزازهم، كما أنها في الوقت نفسه تأمل في استخدام الرسوم الجمركية لتمويل خفض الضرائب المحلية في الولايات المتحدة، وخاصة للأثرياء.

كما أن إدارة ترامب تشير إلى أنها لا تعتبر الاتفاقيات التجارية السابقة، أو العلاقات الإيجابية، أو حتى التحالفات، أموراً مهمة، ويعد ذلك انحرافاً عن مبادئ التجارة الحرة التي عمل العالم لأجلها لعقود (أسس وركائز السياسات التجارية)، وبما يشكل تحدياً للازدهاء العالمي.

ويضيف: «التجارة الحرة في النهاية تفيد الجميع»، مشدداً على أن السياسات الحالية تشير إلى أن الولايات المتحدة أصبحت بسرعة أقل موثوقية كشريك تجاري أو سياسي وأمني، ومع ما يرافق ذلك من إجراءات أخرى (مثل تدمير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية)، فإن ذلك يخلق فرصاً للصين بالتأكيد (للاستفادة من الانسحاب الأمريكي).

كذلك فإن السياسة التجارية الأمريكية التصعيدية لا تؤثر فقط على خصوم واشنطن مثل الصين، بل تلقي بظلالها أيضاً على حلفائها التقليديين، فأوروبا، التي وجدت نفسها في مرمى التهديدات التجارية أكثر من مرة، بدأت تبحث عن استراتيجيات لحماية أسواقها من تداعيات أي موجة جديدة من الحمائية الأمريكية.

تعهد الاتحاد الأوروبي بالرد بحزم على أي رسوم، وبينما ذكرت المفوضية الأوروبية، يوم الأحد الماضي أنه لا توجد معلومات بشأن فرض أي تعريفات جمركية إضافية على منتجات الاتحاد الأوروبي، فإنها شددت على أن «الاتحاد الأوروبي سيرد بحزم على أي شريك تجاري يفرض تعريفات جمركية بشكل غير عادل أو تعسفي على سلعه».

وأعدت المفوضية الأوروبية، التي تمثل الكتلة المكونة من 27 دولة في التجارة «تدابير انتقامية محتملة» يمكن استخدامها في حالة فرض ترامب للرسوم الجمركية، وقد أبقت المفوضية التفاصيل سرية في محاولة لعدم استفزاز الرئيس الأمريكي أكثر، بحسب معلومات نشرتها صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.

تحولات جيوسياسية

في هذا السياق فإن الباحث الاقتصادي في البنك الدولي سابقاً، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيراكيوز الأمريكية في نيويورك، شفاعت يار خان، يشير في تصريحات خاصة لـ«الخليج الان» إلى أنه استجابة للرسوم الجمركية، التي يهدد بها ترامب من المحتمل أن تقوم دول أخرى بالرد بتعريفات مماثلة على الصادرات الأمريكية، علاوة على تشكيل كتل تجارية جديدة، لتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية.

ويشير إلى عامل أساسي، ولكن غالباً ما يتم تجاهله، وهو أن الولايات المتحدة تدير أكبر عجز تجاري في العالم، بينما إذا تحولت بقية دول العالم بعيداً عن واشنطن كشريك تجاري، فسيتعين إعادة تخصيص الفوائض الحالية، التي تحققت مع الولايات المتحدة إلى أماكن أخرى.

وقد يؤدي ذلك إلى تحولات كبيرة في أنماط التجارة العالمية والعلاقات الدولية، خاصة في كيفية تموضع الدول استجابةً لسياسات الولايات المتحدة.

تبادل تجاري

على النقيض من ذلك، لا يعتقد مدير مركز كوروم للدراسات من لندن، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لـ«الخليج الان» بوجود مسارات بديلة عن الشراكة التجارية مع الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن كندا، على سبيل المثال، لا تمتلك القدرة على إيجاد شريك تجاري بديل بنفس الحجم، إذ يعتمد نحو ربع ناتجها المحلي الإجمالي على الاقتصاد الأمريكي، وكذلك المكسيك بدورها تعتمد بشكل كبير على التبادل التجاري مع الولايات المتحدة، حيث يمثل نحو ثلث ناتجها المحلي الإجمالي، أما الصين فرغم قوتها الاقتصادية فإنها لا تستطيع استبدال الولايات المتحدة كشريك تجاري رئيسي.

ويلفت إلى أن واشنطن، بقيادة ترامب، تمتلك القدرة على فرض حلول تصب في مصلحتها، مضيفاً أن الحرب التجارية إذا لم تُحسم سريعاً، فقد تستمر لفترة طويلة، إذ لا تستطيع كندا والمكسيك تحمل تبعاتها الاقتصادية، خلافًا للصين التي قد تكون أكثر قدرة على الصمود.

ويختتم حديثه بقوله، إن استمرار الحرب التجارية لفترة طويلة لن يكون في صالح أي طرف، لكن مع موافقة كندا والمكسيك والصين على التفاوض مع الإدارة الأمريكية الجديدة، فسيكون بالإمكان تجنب صراع طويل، ما يجعل الولايات المتحدة الطرف الأكثر استفادة.

علاقات رهينة المتغيرات

وفي ظل هذه التوجهات المتباينة، ما بين فرص المسارات البديلة بعيداً عن واشنطن وصعوبات «فك الارتباط» الاقتصادي، يبرز تأثير السياسة الدولية بشكل جلي في رسم ملامح العلاقات التجارية بين الدول، فمن جهة تتبنى الولايات المتحدة استراتيجيات قد تسهم في تشكيل تحولات جوهرية في هيكل التجارة العالمية، ومن جهة أخرى تطرح هذه السياسات تحديات كبيرة للدول المتأثرة بها، ما يعكس واقعاً معقداً، حيث تتداخل المصالح الاقتصادية مع حسابات القوة السياسية الدولية.

الأستاذ في قسم التمويل في جامعة فلوريدا، الرئيس السابق لجمعية الإدارة المالية، جاي آر.ريتر، يقول في حديثه مع «الخليج الان» إن الاقتصاديين الأمريكيين يعارضون بالإجماع تقريباً فرض الرسوم الجمركية العالية والعشوائية، خاصة على السلع المستوردة من الدول الصديقة، التي تمتد سلاسل التوريد الخاصة بها عبر الحدود، مشيراً إلى أن الدول التي بها العديد من العمال المشاركين في الصادرات، والمستهلكين الذين يستفيدون من الواردات، لديها الكثير لتخسره إذا اندلعت حرب (تجارية).

ويستدل على ذلك بتأثر سكان روسيا (نسبياً) بسبب انخفاض صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا بعد الحرب في أوكرانيا، كما أنه بالقدر الذي تتمتع فيه الصين بصادرات كبيرة فإنها ستفقدها إذا هاجمت الصين تايوان، فإن تكلفة الأزمة تزداد، وتبعاً لذلك فمن خلال زيادة تكلفة التجارة «لا تؤدي الحرب التجارية فقط إلى انخفاض مستويات المعيشة، بل تزيد أيضاً من احتمال حدوث الحروب»، حسبما يؤكد الأستاذ في قسم التمويل في جامعة فلوريدا.

ويُضيء الاقتصادي الأمريكي على الوجه الآخر لسياسة الرسوم الجمركية، التي يهدد بها ترامب، ذلك أن تلك السياسة يُمكن أن تؤدي لنتائج عكسية، لجهة استفادة بكين (المنافس الأقوى لواشنطن وثاني أكبر اقتصاد في العالم) من السياسات الأمريكية، التي تركز على ما يراه ترامب الأفضل للولايات المتحدة، بدلاً مما هو الأفضل للعالم.

أين تقف الصين؟

على الجانب الآخر، وفي ظل السياسة الحمائية، التي يتبعها ترامب، تُظهر الصين موقفاً محورياً في إعادة رسم ملامح الاقتصاد العالمي؛ فبدعم من قوتها الاقتصادية المتزايدة لم تقتصر ردود فعل بكين على فرض رسوم جمركية مماثلة، بل عمدت إلى توسيع علاقاتها التجارية مع الدول الأخرى، لتخفيف تأثير السياسة الأمريكية.

وفي ضوء ذلك تسارع الصين في تعزيز شراكاتها الاقتصادية مع مجموعة دول البريكس، بالإضافة إلى توجهات تصعيدية نحو تطوير مشاريع البنية التحتية العملاقة في آسيا وأفريقيا، ما يعكس تحولًا مهماً في خريطة التجارة العالمية.

يأتي ذلك التحول في سياق موجة جديدة محتملة من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، وهو ما يشير إليه الأستاذ بقسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا، جوناثان أرونسون، في تصريحات خاصة لـ«الخليج الان»، والذي يحذر من أن الأمر قد يتصاعد إلى حرب تجارية خطيرة.

ورداً على سؤال حول إلى أي مدى يمكن أن تعيد أي حرب تجارية جديدة تشكيل مشهد التجارة العالمية من وجهة نظرك؟ يقول: «إن ذلك يعتمد على مدة بقاء الرسوم الجمركية وكيفية رد الصين.

قد يتصاعد الأمر إلى حرب تجارية خطيرة».

ويضيف: «حتى الآن يستخدم ترامب الرسوم الجمركية كوسيلة للضغط.

لقد تم تأجيل الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك لمدة 30 يوماً قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ومع دخول الرسوم الجمركية على الصين حيز التنفيذ، ومن المرجح أن تثير حرباً تجارية».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق