تساعد ممارسة الأنشطة البدنية الأطفال الذين يعانون اضطرابات نمائية عصبية، مثل طيف التوحد، على التفاعل الاجتماعي والتكيف مع بيئاتهم، ومن أبرز هذه الأنشطة ما يعرف بـ«الباركور»، ووفقاً لمتخصصين فالنشاط البدني الذي يبذله أطفال التوحد يعلمهم كيفية التعامل مع التحديات الجسدية والفكرية والسلوكية معاً، ما يعزز مهاراتهم الحركية ويزيد من استقلاليتهم.
و«الباركور» هي مجموعة وثبات (قفزات) للانتقال من نقطة إلى نقطة بأسرع ما يمكن، باستخدام القدرات البدنية، لتخطي عقبات مثل الحواجز أو الموانع، سواء كانت فروع أشجار أو صخوراً أو قضباناً حديدية أو جدراناً.
وتفصيلاً، أكدت مشرفة تحليل السلوك التطبيقي، رنيم جامع، أهمية الرياضة في حياة ذوي التوحد، مشيرة إلى أنها تساعدهم على تفريغ الطاقة التي يتمتعون بها بطريقة مفيدة وفعالة، كما أنها تشجعهم على الاندماج في المجتمع والاستجابة لتوجيهات أفراد من خارج نطاق أسرهم، إضافة إلى دورها في التغلب على نوبات الغضب التي تنتابهم، وتمكنهم من التعبير عن مشاعرهم، ما يسهم في تحسين سلوكياتهم بشكل ملحوظ.
وبيّنت أنه «إذا كان الطفل يلعب رياضة جماعية، فإنها ستساعده على فهم معنى المشاركة والتفاعل الاجتماعي، وتقبّل وجود الأشخاص من حوله، وتقبل مفهوم انتظار الدور، ومفهوم المكسب والخسارة، وتعزز من تواصله، كما أنها ستساعده على زيادة تركيزه وانتباهه، وتعميق إدراكه للبيئة المحيطة به».
وأكدت أن «الرياضة تساعد الطفل على فهم جسمه عن طريق الحركات التي يؤديها».
وشرحت أن «رياضة الباركور تقوي إدراك الطفل الحركي، بحيث يشعر بحركات جسده ويستطيع عقله الاستجابة أثناء أدائها، خصوصاً أن معظم الأطفال المصابين بالتوحد لديهم مشكلات حسية في تناسق الحركة».
وذكرت منسقة التوعية المجتمعية في مركز دبي للتوحد، رزان قنديل، أن تحديد نوع الرياضة لذوي التوحد يقاس حسب الحالة وخطة العلاج، ويتم تحديد ذلك من قبل المتخصصين.
وقالت إن الهدف الأساسي منها هو تنمية مهارات الطفل الذي يعاني اضطرابات عصبية بطريقة مناسبة، خصوصاً التنسيق البصري الحركي الذي قد يكون أحد التحديات أمام طيف التوحد.
وأضافت أن جميع الأخصائيين والمدربين هم كذلك معالجون متخصصون في تعديل السلوك (ABA)، ما يمكنهم من التعامل مع ردود الفعل والسلوكيات المختلفة التي يصدرها ذوو التوحد.
وتحدث مدرب رياضة الوثب «الباركور»، سامر حجازي، حول أهميتها في تحسين حياة أطفال التوحد، شارحاً أنها «تلعب دوراً كبيراً في حياة الطفل بشكل عام، ولها تأثير إيجابي على قدراته الفكرية والسلوكية إلى جانب فوائدها البدنية والصحية المعروفة، ويجب إتاحة الفرصة أمام جميع الأطفال».
وأشار إلى أن فوائد ممارسة هذه الرياضة لأطفال التوحد بشكل خاص تتمثل أيضاً في تحسين التوازن والتوافق العضلي والدقة في الحركة والسرعة والقوة العضلية.
وقال إن تطوير هذه العناصر يساعد في تنمية المهارات الحركية الكبرى والدقيقة التي غالباً ما يعاني أطفال التوحد ضعفاً فيها، مضيفاً إلى ذلك تحسين التركيز والانتباه، حيث يحتاج الطفل إلى أن يحافظ على تركيزه بشكل قوي ودون تشتت لينجح في تنفيذ الحركات المهارية وتخطي الحواجز، ما يساعد في إطالة مدة انتباهه وتحسين تركيزه وتحفيز التفكير النقدي لديه، أما الفوائد السلوكية فتكمن في الانضباط السلوكي والتحكم في المشاعر.
وبيّن أن الأمر «يتطلب الكثير من التكرار والتعب والإصرار، قبل أن يتعود طفل التوحد على الانضباط والمثابرة وعدم الاستسلام، بل والمبادرة».
وقال إن تحمل الضغط النفسي والعصبي المرتبط بتعلم حركات مهارية صعبة يدرب الطفل على التحكم في مشاعره وتحسين سلوكه أثناء ممارسة حياته اليومية.
وعن التدريبات والتقنيات الخاصة التي يتبعها لتكييف هذه الرياضة مع احتياجات أطفال التوحد، بين أن «أطفال التوحد يختلفون عن بعضهم بعضاً، فلكل طفل احتياجاته الخاصة وتفاعله مع المدخلات الحسية المختلفة. وكثير من أطفال التوحد يعانون اضطرابات حسية قد تجعل تعرضهم لأي مُدخل حسي، كالقفز أو الجري أو الدحرجة، تجربة ممتعة أو غير محتملة».
وأضاف: «لابد للمدرب من أن يتحكم في قدر ونوع وشدة التدريب لتكييف الحصة الرياضية لتتماشى مع احتياجات كل طفل والأهداف المرغوب في تحقيقها».
ومن الرياضات التي تسهم في تحسين مهارات أطفال التوحد السباحة، إذ يؤكد مدرب السباحة ومعالج السلوك المعتمد في مركز دبي للتوحد أحمد سمير أهميتها.
ويشرح أن السباحة تسهم في تقوية العمود الفقري والمفاصل، وتعزز الراحة النفسية. كما أكد أهمية تقدير إنجازات الطفل.
من جهتها، تحدثت والدة ألكسندر، ذي الـ11 ربيعاً، والمشخص باضطراب طيف التوحد، دراجانا سارانوفيك، حول تجربة طفلها مع ممارسة «الباركور»، مؤكدة أثرها الكبير في تحسن المهارات الاجتماعية والحركية لدى ألكسندر.
وقالت إن التحدي الأكبر تمثل في عدم قدرته على القفز بكلتا قدميه، وأنه بعد سنوات من التدريب أصبح يتفوق على أقرانه في اللعبة.
وأكدت أن سر تطور المهارات يكمن في أن دور المتخصص هو التعرف على إمكانات الطفل المصاب والعمل على تعزيزها.
وقالت والدة الطالب فارس أوسام (سبع سنوات) في مركز دبي للتوحد: «واجهت العديد من الصعوبات مع طفلي فارس منذ تشخيصه باضطراب طيف التوحد، وكنت أسعى دائماً إلى مساعدته في التخلص من السلوكيات غير المرغوبة مثل البكاء والصراخ والدوران المستمر».
وتحدثت والدة الطالب في مركز دبي للتوحد، حمدان المري، (13 عاماً)، سارة المحيربي، عن تجربة ابنها، وهو طفل توحد غير ناطق، لافتة إلى أن الهدف من ممارسته هذه الرياضة هو تقوية مهاراته الحركية ومساعدته على اتباع التعليمات المختلفة.
ونوهت بأن «الدروس التي يلتحق بها حمدان في مركز دبي للتوحد ساعدته على التوازن والراحة النفسية وإشغال وقته بشكل فعال».
سامر حجازي:
. رياضة تحسّن التوازن والتوافق العضلي والدقة في الحركة والسرعة والقوة العضلية، وتحسّن التركيز والانتباه.
رنيم جامع:
. «الباركور» تساعد في التغلب على نوبات الغضب، والتعبير عن المشاعر، وبالتالي تحسين السلوكيات بشكل ملحوظ.
نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: «الباركور».. طريق أطفال التوحد لـ «التفاعل الاجتماعي» - الخليج الان اليوم الأربعاء 12 فبراير 2025 09:19 صباحاً
0 تعليق