تبني المبادرة العربية للسلام المخرج الوحيد لترامب من... - الخليج الان

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: تبني المبادرة العربية للسلام المخرج الوحيد لترامب من... - الخليج الان اليوم الخميس 13 فبراير 2025 12:52 مساءً

أعادت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير سكان غزة وفرض واقع جديد في المنطقة إلى الأذهان فترات الاستعمار التي سبقت الحرب العالمية الثانية عندما كانت القوى الكبرى تعيد تشكيل الخرائط دون مراعاة الشعوب وتطلعاتها. اليوم يبدو أن الشرق الأوسط يواجه تحديا مشابها لكن مع متغيرات جديدة تجعل من المستحيل فرض حلول غير عادلة أو تتجاهل القوى الفاعلة في المنطقة وعلى رأسها الدول العربية الكبرى مصر والسعودية .

الواقع الحالي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يعد مجرد مسألة خلاف بين طرفين بل أصبح ملفا دوليا تتحكم فيه القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. لكن ما يثير التساؤل هو سبب إصرار بعض الساسة الأمريكيين على تبني سياسات تشعل التوترات بدلًا من تهدئتها. فالشرق الأوسط ليس بحاجة إلى إعادة إنتاج صراعات الماضي بل إلى سياسات حكيمة قادرة على إطفاء النيران وفتح مسارات جديدة للسلام وهو ما تطرحه المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية في عام 2002 والتي لا تزال حتى اليوم تمثل الإطار الأكثر توازنا وقابلية للتطبيق.

الضغوط الأمريكية على الدول العربية للقبول بتسويات تتماشى مع الرؤية الأمريكية والإسرائيلية للصراع ليست بالأمر الجديد لكنها اليوم تصطدم بواقع مختلف. لم تعد الدول العربية وخاصة مصر والسعودية تقبل بأن تكون مجرد متلق للقرارات أو منفذا لسياسات لا تتوافق مع مصالحها وأمنها القومي. وهناك إدراك متزايد بأن الحل العادل لا يمكن أن يفرض بالقوة وإنما يجب أن يستند إلى أسس متوازنة تضمن حقوق الفلسطينيين وتحفظ استقرار المنطقة وتحظى بقبول دولي وهو ما يجعل تبني واشنطن للمبادرة العربية خيارا منطقيا أكثر من أي وقت مضى.

المبادرة العربية التي تبنتها الرياض وحصلت على دعم واسع من الدول العربية والإسلامية تقدم أساسا معقولا لحل دائم لأنها تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام وتدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 مقابل تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. وهذه المبادرة رغم مرور أكثر من 20 عاما على طرحها لا تزال تتمتع بقبول أوروبي ودولي ويمكن أن تكون القاعدة التي يبنى عليها أي اتفاق مستقبلي إذا ما قررت واشنطن تبني نهج أكثر واقعية في سياستها تجاه الشرق الأوسط.

لكن المعضلة الكبرى تكمن في أن قرار السلام لم يعد في يد الفلسطينيين أو الإسرائيليين وحدهم. الولايات المتحدة والدول العربية الكبرى وعلى رأسها مصر والسعودية هي التي تمتلك مفاتيح الحل. والقدرة على توفير الضمانات التى تبدد المخاوف وإقناع المجتمع الدولي بأي اتفاق مستقبلي لا يمكن أن تأتي إلا من خلال تحالف قوي بين واشنطن والدول العربية وهذا يتطلب تغييرا جذريا في المقاربة الأمريكية للصراع.

مصر التي لعبت دورا رئيسيا في اتفاقيات السلام السابقة تدرك أن أي محاولة لفرض حلول غير عادلة ستؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار. وهي ليست فقط دولة جوار لفلسطين بل قوة إقليمية تدرك مدى خطورة أي تغيير ديموغرافي قسري في غزة أو الضفة الغربية. ولذلك فإن موقفها الرافض لأي حديث عن إعادة توطين الفلسطينيين خارج أراضيهم ليس مجرد موقف سياسي بل استراتيجي يهدف إلى الحفاظ على استقرار المنطقة بأسرها.

السعودية من جانبها تتعامل مع الملف الفلسطيني من منطلق رؤيتها الأشمل لاستقرار المنطقة. فبينما تسعى لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية فإنها تدرك أن أي حل غير عادل للقضية الفلسطينية سيؤدي إلى مزيد من التوترات وهو ما يتعارض مع أهدافها التنموية والاستراتيجية. ولذلك فإن الرياض لم تتراجع عن المبادرة العربية بل لا تزال تعتبرها الإطار الأمثل لأي تسوية شاملة ويمكن أن تلعب دورا رئيسيًا في إقناع واشنطن بضرورة تبنيها كمخرج واقعي للأزمة.

لكن لماذا تبدو الولايات المتحدة مترددة في تبني هذه المبادرة رغم دعمها الدولي؟ والسبب هنا يعود إلى ديناميكيات السياسة الداخلية الأمريكية حيث تلعب اعتبارات انتخابية وضغوط جماعات الضغط والمصالح الاقتصادية دورا في توجيه القرار الأمريكي. إلا أن ما لم تدركه واشنطن بعد هو أن تجاهل المبادرة العربية أو محاولة فرض حلول أخرى قد يؤدي إلى نتائج عكسية ليس فقط في الشرق الأوسط بل على المستوى الدولي حيث تتزايد الانتقادات للسياسات الأمريكية التي تتهم أحيانا بأنها تفاقم الأزمات بدلًا من حلها.

تصريحات ترامب الأخيرة ربما تكون تذكيرا بأن بعض الساسة الأمريكيين لا يزالون يتبنون نظرة قديمة للشرق الأوسط مبنية على الهيمنة وفرض الحلول بالقوة. غير مدركين ان العالم تغير والمنطقة اليوم ليست كما كانت في العقود الماضية. وهناك قوى عربية صاعدة ومصالح دولية متشابكة ورغبة متزايدة في تحقيق الاستقرار بدلًا من تأجيج الصراعات.

وإذا كانت الولايات المتحدة ترغب حقًا في لعب دور بناء في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون الاعتراف بأن أي حل يجب أن يكون متوازنا ويحظى بقبول الأطراف الفاعلة. وتبني المبادرة العربية بدلًا من محاولات فرض حلول غير واقعية يمكن أن يكون نقطة التحول التي تحتاجها واشنطن لاستعادة مصداقيتها في المنطقة وبناء شرق أوسط أكثر استقرارا قائما على المصالح المشتركة وليس على حساب طرف دون الآخر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق