أساس التعويض عن الأضرار الناتجة عن إنشاء الدولة للشبكات الطرقية الجديدة - الخليج الان

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: أساس التعويض عن الأضرار الناتجة عن إنشاء الدولة للشبكات الطرقية الجديدة - الخليج الان اليوم الأربعاء 29 يناير 2025 01:24 صباحاً

رضوان العلمي

تراهن الدولة على الأوراش الضخمة التي يتم في إطارها إنجاز المشاريع الكبرى والحيوية، ولها أبعاد استراتيجية على المدى المتوسط والبعيد، وتحقق التوازنات الماكرو-اقتصادية بالبلاد؛ اعتبارا لكون الدولة تشكل السلطة العامة التي تملك الوسائل والإمكانيات اللازمة للتخطيط، والتنظيم، والتشريع، والتمويل، والاستثمار، وغيرها.

ولأن الشبكات الطرقية تعد من أهم المشاريع الكبرى التي تسعى الدولة بانتظام إلى إنجازها وتجديدها، فإن أهميتها لا تقتصر في كونها استثمارات مادية واقتصادية فقط، بل تمثل أيضا رافعة للتنمية المستدامة وآلية لتقليص الفوارق بين المناطق الجغرافية المختلفة بالبلاد.

وكيف ما كان الحال، فإن إنجاز الدولة لشبكات طرقية جديدة قد يسبب أضرارا لبعض الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين، والذين لهم ارتباط اقتصادي بالشبكات الطرقية؛ بحيث غالبا ما تتقلص أو تنعدم مداخيل مشاريعهم بسبب تحول مسار المركبات وحركة المسافرين من تلك الطرق القديمة التي يقيمون بجانبها مشاريعهم نحو طرق جديدة، وهو الأمر الذي قد يلقي بالمسؤولية القانونية على الدولة من أجل تعويض المتضررين. غير أن الأساس الذي يقوم عليه هذا التعويض شكل جوهر جدل قانوني وقضائي، إذ قد يترتب التعويض على أساس مبادئ أهمها: مبدأ المسؤولية بدون خطأ، ونظرية فعل الأمير، ومبدأ الإثراء بلا سبب، ومبدأ العدالة والانصاف.

أولا: مبدأ المسؤولية بدون خطأ والتعويض عن الضرر

إذا كان الأصل الذي ظل سائدا ردحا من الزمان هو مبدأ عدم مسؤولية الدولة ما لم يكن هناك خطأ يعتر أساسا لهذه المسؤولية، إلا أن قرارات مجلس الدولة الفرنسي شكلت منعطفا قويا في تطور قواعد المسؤولية الإدارية، وتبني مبدأ مسؤولية الدولة بدون خطأ، وإرساء مفاهيم جديدة متعلقة بها.

وتعد مسؤولية الدولة بدون خطأ، والتي يسميها البعض أيضا بمسؤولية الدولة بناء على المخاطر، من المفاهيم الحديثة في القانون الإداري. وتقوم هذه المسؤولية على تعويض الأشخاص عن الأضرار التي تلحق بهم نتيجة أنشطة الإدارة العامة حتى في غياب أي خطأ من جانبها، وتستند إلى مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة، بحسبان أنه لا ينبغي لفرد أو مجموعة من الأفراد تحمل ضرر ناتج عن مخاطر نشاط مشروع للإدارة يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، حتى ولو تم تنفيذه بدقة وبدون أي تقصير أو خطأ.

ولهذا، فمن الواجب أن تعامل الإدارة المواطنين على قدم المساواة، وبالتالي تكون ملزمة بمنح تعويضات مادية جراء الشبكات الطرقية الجديدة التي رأت الدولة ضرورة إنشائها من أجل تحقيق المصلحة العامة إن كان لها آثار سلبية وأعباء إضافية على أشخاص معينين، وأضرت بمشاريعهم المجاورة للشبكات الطرقية القديمة، تنزيلا لروح الفصل 39 من الدستور المغربي الذي يلزم الجميع بتحمل التكاليف العمومية.

ثانيا: نظرية فعل الأمير كسبب موجب للتعويض

تعد نظرية فعل الأمير من أبرز النظريات القانونية في مجال العقود الإدارية، وترتكز على ضمان التوازن المالي للعقد الإداري في مواجهة الإدارة العامة التي تلقي بأعباء إضافية على المتعاقد معها، بما يضمن استمرارية تنفيذ المشاريع العامة دون الإضرار بأي طرف.

ويقصد ب "فعل الأمير" في القانون الإداري كل تصرف أو قرار تتخذه الإدارة أثناء تنفيذ العقد الإداري، يكون مشروعا، غير أنه يؤدي إلى اختلال توازن العلاقة التعاقدية وتحميل المتعاقد معها أعباء أو أضرارا استثنائية وغير متوقعة. وبناء على ذلك، يستحق هذا المتعاقد تعويضا شريطة استمراره في تنفيذ العقد.

والأكيد أن المحدد الرئيسي في استحقاق التعويض تبعا لنظرية فعل الأمير، تمييزا لها عن المسؤولية بدون خطأ، هو وجود علاقة تعاقدية بين الطرف المضرور والإدارة، وأن يكون الضرر الذي لحق المتعاقد استثنائيا وغير متوقع، بحيث يتجاوز نطاق المخاطر العادية المتوقعة في تنفيذ العقد.

وتبعا لذلك، يمكن القول إن الطرف المتعاقد مع الإدارة في إطار مشروع مرتبط بإحدى الشبكات الطرقية وحركية المرور والسفر بها، يستحق التعويض إثر الخسائر التي يكون قد تكبدها نتيجة لإنشاء الدولة لشبكات طرقية جديدة قلصت من أرباحه في إطار علاقته التعاقدية الإدارية.

ثالثا: مبدأ الإثراء بلا سبب والحق في التعويض عن الضرر

يُعرّف الإثراء بلا سبب بكونه أن يحصل شخص على منفعة أو مكسب مالي أو مادي على حساب آخر دون وجود سند قانوني أو اتفاق مبرر لهذا الإثراء، مما يتيح للمتضرر المطالبة باسترداد ما فقده أو تعويضه عما لحقه من ضرر نتيجة إثراء طرف آخر.

وهكذا، فإن الإثراء بلا سبب هو مبدأ قانوني يهدف إلى تحقيق العدالة بين الأطراف، وقد تطور ضمن القوانين المدنية في الدول المختلفة، ومنها القانون المغربي الذي ينص ضمن الفصل 66 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن: "كل من تسلم أو حاز شيئا أو قام بخدمة أو حصل على منفعة بدون سبب مشروع يكون ملزما برد ما حصل عليه"، كما لقيت هذه النظرية صدا مهما في مجالات أخرى كالقانون الإداري.

وإذا كان رأي البعض يمكن أن يستبعد هذه المبدأ في أعمال الإدارة المشروعة التي قد تلحق ضررا بالغير، إلا أن اجتهاد القضاء الإداري قد يسير في اتجاه التطبيق القانوني له عندما تؤدي أعمال الدولة إلى زيادة المنفعة العامة -كما في إنشاء الطرق الجديدة - واستفادة الدولة من مشروع على حساب أشخاص آخرين دون تعويضهم.

رابعا: مبدأ العدالة والانصاف وتقدير التعويض

إذا كانت القواعد القانونية تقوم بالأساس على مبدأ العدالة والانصاف، فإنه في غياب نص قانوني أو اتفاق تعاقدي يصبح لجوء القاضي لمبدأ العدالة والانصاف محددا رئيسيا في إصدار الأحكام والقرارات.

ولما كانت العدالة في القانون تعني إعطاء كل ذي حق حقه بناء على المعايير القانونية والأخلاقية لتحقيق التوازن بين الأضرار، ضمانا لعدم الإضرار بطرف على حساب طرف آخر، فإن الانصاف يتجاوز التطبيق الحرفي للقانون ويعبر عن التطبيق السليم لروح القانون والعدالة. وبهذا، فإن الانصاف يمكن أن يكمّل العدالة خصوصا في غياب نصوص قانونية قد تغل يد القاضي في رد الحقوق أو الموازنة الرفيعة بينها.

ولما كان القانون الإداري قانونا يكتسب جل قواعده من اجتهادات القضاء الإداري، فإن القاضي الإداري يتمتع فيه بسلطة تقديرية واسعة لتطبيق مبدأ العدالة والانصاف للوصول إلى تعويض عادل يوازن بين حقوق والتزامات الأطراف لرفع الضرر أو على الأقل لتقليل آثاره، استنادا على قواعد القانون ومبادئ العدل والانصاف.

وعليه، فإن الفهم العميق للنوازل والظروف المحيطة بكل قضية يمكّن القاضي الإداري من ترتيب المسؤوليات، ورفع الأضرار، وحماية الحقوق، وتقدير التعويض المناسب، تحقيقا للعدل والانصاف الذي يبقى الغاية المنشودة التي يصبو إليها أي نظام قضائي.

ختاما، يتضح أن التعويض عن الأضرار الناتجة عن إنشاء الدولة لشبكات طرقية جديدة قد يرتكز على قواعد قانونية ونظريات فقهية، كالمسؤولية بدون خطأ، ونظرية فعل الأمير، ومبدأ الإثراء بلا سبب، ومبدأ العدل والانصاف؛ جبرا للأضرار التي قد تسبب فيها الدولة للمتضررين منها، رغم منافعها التي ترمي إلى تحقيق المصلحة العامة. وذلك على اعتبار أن تعزيز الثقة بين الدولة ومواطنيها – بصفة عامة - يبقى رهينا بمدى التزامها بتعويض الأضرار التي قد تنتج عن بعض أنشطتها التنموية، مما يكرس قيم العدالة والمساواة، ويحقق التكامل المنشود بين التنمية الاقتصادية والمصالح العامة والحقوق الفردية.