نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: مدن مونديالية بلا مراحيض عمومية! - الخليج الان اليوم الثلاثاء 4 فبراير 2025 07:09 مساءً
بينما تجري الأشغال على قدم وساق وفق تعليمات ملكية سامية بسائر مدن المملكة المغربية، وخاصة منها تلك التي وقع عليها الاختيار لاحتضان مباريات في كرة القدم بين المنتخبات المشاركة في بطولتي كأس أمم إفريقيا 2025 أو كأس العالم 2030، حتى تكون في مستوى هذين الحدثين الهامين وعلى أتم الجاهزية لاستقبال الجماهير الغفيرة من الزوار والسياح، الذين يفترض أن يحجوا إلى بلادنا للاستمتاع الكروي واكتشاف غناها الثقافي وتنوعها السياحي، فإذا بالمغاربة ومعهم شعوب البلدان المعنية يقفون فجأة يوم الأحد 26 يناير 2025 على هول صدمة كبرى خلال "الماراطون" الدولي بمدينة النخيل مراكش، والمتمثلة في افتقار هذه المدينة التاريخية والسياحية إلى مراحيض عمومية مناسبة.
فمباشرة بعد لحظات من إعطاء انطلاقة ذلك الحدث الرياضي الكبير (ماراطون مراكش الدولي) الذي يعد من بين أبرز المناسبات التي يجتمع فيها عداؤون من مختلف أنحاء العالم، تم تداول مقاطع فيديو على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي توثق لصور بعض المشاركين في الماراطون وهم يتبولون في الشارع العام جراء غياب مراحيض عمومية في مدار السباق.
ومما لا شك فيه أن المرحاض العمومي فضاء عام مشترك يختلف كليا عن باقي الفضاءات العمومية الأخرى من حافلات ومقاهي وغيرها، لما له من خصوصية. إذ يتميز بما يقام فيه من نشاط بيولوجي، فهو واحد من الأمكنة الأكثر خصوصية وسرية، على مستوى التفريغ الحشوي للفضلات البشرية من بول وبراز. وأنه لولا ما تكتسيه المراحيض العمومية أو دورات المياه من بالغ الأهمية في حياة المواطنات والمواطنين عبر مختلف بلدان العالم، ما كان للهيئة الأممية أن تعلن 19 نونبر من كل عام يوما عالميا للاحتفاء بها، مؤكدة على ضرورة توفير مرافق صحية مستدامة للجميع، إلى جانب وجود مرافق المياه النظيفة للمساعدة في حياة الأمن الصحي والحفاظ على النظافة، تفاديا لانتشار الأمراض المعدية الفتاكة...
فعلى هذا الأساس ونظرا لما تلعبه المراحيض العمومية من دور هام في حياة الأشخاص على اختلاف أعمارهم، اعتبر عديد الملاحظين والمهتمين بالشأن العام ببلادنا، أن ما حدث بالمدينة الحمراء المرشحة لاستقبال المزيد من الزوار والسياح خلال التظاهرات الرياضية الكبرى القادمة، فضيحة بكل المقاييس. حيث أنها أثارت ردود فعل غاضبة وكشفت عما تعانيه المدينة ذات الاستقطاب السياحي الواسع من إهمال من قبل المنظمين لمثل هذه التظاهرات الرياضية الدولية، الذين لم يجشموا أنفسهم عناء التفكير حتى في توفير مراحيض متنقلة بمختلف مسارات السباق، فضلا عن تقصير القائمين على شؤونها، وفي مقدمتهم عمدة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري التي هي نفسها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة والمنسقة الوطنية لحزب الأصالة والمعاصرة، ومعها القيادي في نفس حزب "الجرار" ورئيس جهة مراكش آسفي سمير كودار.
ويشار في هذا الصدد إلى أنه طالما نبهت عدة جمعيات حقوقية وفعاليات مدنية إلى افتقار المدينة التي يطلق عليها عاصمة السياحة إلى أبسط البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية الأساسية، التي من شأنها ضمان العيش الكريم للساكنة والزوار كذلك، ومنها قلة المرافق الصحية واهتراء أسطول الحافلات التي تجاوزت مدة صلاحيتها، وسوء تدبير قطاع النظافة رغم استنزافه ملايير السنتيمات، وإلا ما معنى أن تعج المدينة بكل مقاطعاتها بالنقط السوداء لتراكم الأزبال والقاذورات وانتشار الحشرات؟ ثم هل يعقل أن تظل مدينة بقيمة مراكش وشهرتها العالمية عرضة للمشاكل والأزمات، وأن تدبر شؤونها بشكل ارتجالي دون تخطيط استراتيجي واهتمام بالجوانب الخدماتية المناسبة، مما يعيق تحقيق أي تنمية اقتصادية واجتماعية؟
فالأسوأ من ذلك أن الغياب شبه التام للمراحيض العمومية لا يخص المدينة الحمراء وحدها، بل هو مشكل تعاني منه جميع المدن المغربية الكبرى والصغرى على حد سواء، مما يهدد صحة آلاف المواطنين خاصة المرضى والأطفال الصغار، الذين يضطرون أحيانا إلى قضاء حاجاتهم البيولوجية بعيدا عن عيون المارة في العراء خلف الأسوار والأشجار، وفي الأماكن المظلمة أو المهجورة، وهو ما قد يؤدى إلى الإصابة بالأمراض والأوبئة، جراء التعفنات الناتجة عن انعدام النظافة. وليس هذا وحسب، بل إن أزمة المراحيض ترخي بظلالها على البيئة والمآثر التاريخية للمدن.
إننا لا نعتقد أن هناك فرصة سانحة لإحداث مراحيض عمومية كافية وذات مواصفات دولية، ليس فقط بالنسبة لوزيرة السكنى وعمدة مدينة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري وهي الطامحة لقيادة "حكومة المونديال" المقبلة، بل لجميع مدبري الشأن العام بمختلف المدن وخاصة في المدن المونديالية الأخرى، أفضل من هذه الفترة التي يشهد فيها المغرب حركة دائبة، إثر التحضيرات الجارية بوتيرة مرتفعة لاستضافة العرسين الكبيرين الإفريقي والعالمي، وهو الذي يراهن عليهما من أجل تطوير البنية التحتية وتعزيز قدرات المدن لتكون في مستوى التحديات الكبرى، ومؤهلة لاستقبال الجماهير الرياضية الغفيرة، والوفود السياحية المرافقة للمنتخبات المشاركة.