سباق العسكرة على حساب تجويع الشعب - الخليج الان

0 تعليق ارسل طباعة

نقدم لكم زوارنا الكرام أهم وآخر المستجدات كما وردت في المقال التالي: سباق العسكرة على حساب تجويع الشعب - الخليج الان اليوم السبت 15 فبراير 2025 12:27 مساءً

17 ساعات 9 دقيقة مضت

عبدو حقي

تتصدر الجزائر قائمة الدول الأكثر إنفاقًا على التسليح في منطقة المغرب العربي، حيث كشفت تقارير حديثة، بما فيها تقرير "فاير باور" لعام 2025، أن الجيش الجزائري يحتل المرتبة الأولى مغاربيًا والثالثة عربيًا والـ 26 عالميًا من حيث القوة العسكرية. ويأتي هذا التصنيف مدعومًا بميزانية دفاع ضخمة بلغت حوالي 25 مليار دولار، في وقت تعاني فيه البلاد من تحديات اجتماعية واقتصادية خانقة، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول أولوية الإنفاق الحكومي وأهدافه الحقيقية.

 

شهدت الجزائر زيادة غير مسبوقة في الإنفاق العسكري، حيث ارتفعت ميزانية الدفاع بنسبة 76% خلال عام 2023، لتصل إلى 18.3 مليار دولار، قبل أن تقفز لاحقًا إلى 25 مليار دولار في 2025. هذه الأرقام تضع الجزائر في المرتبة الثالثة بين أكثر الدول إنفاقًا على الدفاع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، متجاوزة بذلك العديد من الدول ذات الاقتصاديات القوية.

 

وبالنظر إلى أن الجزائر لا تواجه تهديدات مباشرة بحجم يبرر هذا المستوى من التسلح، فإن هذه الزيادة القياسية تثير تساؤلات حول دوافع النظام العسكري في البلاد للرفع من ميزانية التسلح . فهل هو استعداد لمواجهة عسكرية غير مرئية، أم أنه مجرد استمرار لنهج "العسكرة" الذي تعتمده السلطة لإبقاء قبضتها على الحكم؟

 

في الوقت الذي يخصص فيه النظام الجزائري عشرات المليارات من الدولارات لتحديث ترسانته العسكرية، تعيش شرائح واسعة من الشعب تحت وطأة الفقر والبطالة والتهميش. فوفقًا لبيانات غير رسمية، تتجاوز نسبة البطالة في الجزائر 12%، فيما تصل إلى مستويات أعلى بين الشباب. كما يعاني قطاع الصحة والتعليم من نقص التمويل، ما يجعل الخدمات الأساسية متدنية مقارنة بما يتم إنفاقه على التسليح.

 

ويواجه الجزائريون أزمات متتالية في مجالات الإسكان والتشغيل والخدمات الاجتماعية، إذ يتزايد الطلب على الدعم الحكومي وسط ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القدرة الشرائية. وبدل أن توجّه هذه المليارات لإنشاء مشاريع تنموية تحسن من مستوى عيش المواطنين، يتم ضخها في صفقات أسلحة لا تُستخدم سوى في الاستعراضات العسكرية والمناورات السياسية.

 

لطالما اعتُبر الجيش الجزائري اللاعب الرئيسي في المشهد السياسي للبلاد، حيث تسيطر المؤسسة العسكرية على مفاصل السلطة منذ الاستقلال. وبالتالي، فإن استمرار الإنفاق الكبير على التسليح يمكن قراءته كجزء من استراتيجية الجيش لتعزيز نفوذه داخليًا، وضمان عدم ظهور أي قوى سياسية يمكن أن تنافسه على الحكم.

 

ويعتمد الجيش الجزائري بشكل أساسي على الأسلحة الروسية، حيث تشمل ترسانته دبابات "T-90" وطائرات "سوخوي 30" و"ميغ 29"، إلى جانب قدرات بحرية تتكون من فرقاطات وغواصات متطورة. لكن في المقابل، تظل الجزائر متأخرة في تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية، ما يجعلها تعتمد بشكل كامل على الواردات العسكرية، وهو ما يعني المزيد من الإنفاق دون تحقيق اكتفاء ذاتي.

 

في السياق الإقليمي، يرى البعض أن الجزائر تسعى إلى تحقيق تفوق عسكري واضح على جارتها المغرب، خاصة بعد التوترات السياسية بين البلدين خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، فإن سياسة سباق التسلح هذه قد تكون مجرد غطاء لمصالح داخلية تخدم النظام العسكري أكثر مما تخدم الشعب الجزائري.

 

يطرح الواقع الاقتصادي والاجتماعي للجزائر سؤالًا محوريًا حول مدى جدوى هذا الحجم الهائل من الإنفاق العسكري، في ظل الحاجة الملحة للاستثمار في قطاعات مثل الصحة، والتعليم، والبنية التحتية. فعوضًا عن التركيز على تعزيز رفاهية المواطنين وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، يواصل النظام العسكري تبديد الموارد في شراء الأسلحة، بينما تتزايد الأزمات الداخلية التي تهدد الاستقرار الاجتماعي.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الدول الناجحة اقتصاديًا ليست بالضرورة تلك التي تمتلك أكبر الجيوش، بل التي تحقق التوازن بين احتياجاتها الدفاعية ومتطلبات التنمية. وحتى في الدول ذات الاقتصادات القوية مثل الولايات المتحدة والصين، يتم توظيف الإنفاق العسكري ضمن استراتيجية اقتصادية شاملة، تساهم في تعزيز الصناعات المحلية وخلق فرص العمل، وهو ما لا يحدث في الجزائر.

 

يبدو أن السلطة في الجزائر لا تزال رهينة العقلية العسكرية المرتبطة بعقود الحرب الباردة التي تعطي الأولوية للتسلح على حساب احتياجات المواطنين. وفي ظل تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية، أصبح واضحًا أن استمرار هذا النهج سيعمّق الفجوة بين النظام والشعب، ويؤجج الغضب الاجتماعي، خاصة في ظل غياب إصلاحات حقيقية.

لقد حان الوقت لكي تعيد الجزائر النظر في أولوياتها، وأن توجه جزءًا كبيرًا من هذه الميزانيات الهائلة إلى التنمية المستدامة، بدلًا من الاستمرار في لعبة التسلح التي لم تجلب للبلاد سوى المزيد من الأزمات. فالدول لا تُبنى فقط بالقوة العسكرية، بل بالاستثمار في الإنسان، وهو ما يغيب عن أجندة النظام الحاكم في الجزائر.

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق